الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
الوفاءُ الصادق
أجمل حلي المرأة، وفاءٌ سرمديٌ خالدٌ، لا يتغيرُ ولا يتبدلُ ولا ينفني.
جاءتْ الشريعة للمرأة حين وفاة زوجها تمدُّ عدتَها إلى أربعة أشهر وعشرة أيام، لا تتجملْ ولا تزدان، لإثبات سنة من سنن الوفاء، وآية من آياتِه.
فإذا استحال الدَّهر بالزوج الكريم فخسر ماله، ونكبتْ قواه واستبدل بالمناصب والسلطنة أيامًا جرتْ عليه بين أصفاد الحديد، وقبضان السجون؛ كان وفاؤُها له وكأنَّها بين أفياء نعمه، وأكناف داره وخيره.
فكمْ في قلب المرأة الوفية لزوجها لفرطٍ من حنو
ومع ما أعطتْ الشريعة للمرأة من توسعة في الزواج بعد موت زوجها؛ فإن كثير منهن أنِفْنَ أن يتبدلن َّببعولتهنَّ، بقاءً على ذكراه، وعبق أنفاسه.
كما قيل:
فــإن تسـألاني عن هــوايَ، فإنـَّه *** بملحـــــودِ هـــــذا القـــبر يا فتيـــانِ
وإني لأســــتحييــــه والتَّرْبُ بيننـــا *** كما كنتُ أستحييــه وهو يراني
هذه زوجة
أمير المؤمنين عثمان بن عفان، ثالث الخلفاء الراشدين، رضي الله عنه وأرضاه:
حين تسوَّر عليه القتلة الفسقة، وتبادروا بالسيوف على أمير البررة؛ ألقتْ زوجته (نائلة) بنفسها عليه حتى تقيه من السيوف المتهافتة إليه، فلم يرعوا حرمتها ففقدتْ أصابع احدى يديها بضربةٍ من ضربات سيوفهم!
وبعد وفاة عثمان رضي الله عنه وأرضاه خطبها معاوية رضي الله عنه فأَبتْ، وقالت: “والله لا قعد أحدٌ مني مقعد عثمان أبدًا“[1].
ولكن
الأمر ليس على إطلاقه؛ فالنساء يختلفن في ذلك، فالمرأة الشابة إن تقدَّم لها الرجل الصالح لعلها لا تردُّه، وتحصِّن نفسها، وتحمي قلبها حتى لا يموج في بحار الفتن.
فيظل أوثق عرى الوفاء؛ الدعاء الصادق بظهر الغيب لمن فارقنا وغدى، والعزاء أن للأحبة في الآخرة لقاءٌ واجتماع، يقول أبو الوفاء بن عقيل:
“لولا أن القلوب تُوقن باجتماعٍ ثانٍ؛ لتفطرت المرائر لفراق المحبين”[2].
[1] العقد الفريد، (3/199).
[2] المنتظم، (9/187).
وكتبته:
الفقيرة إلى فتح الفتاح
هيا بنت سلمان الصباح
مشاء الله. .بارك الله فيج
* ما شاء الله .