مسائل الإيمان

كيف نجمع بين حديث البطاقة وأن ترك العمل الظاهر بالكلية يخرج صاحبه من الإسلام؟ 

الجواب :

من المقرر في المنهج العلمي الشرعي أن المتشابه يُرد إلى المحكم، وأن أهل البدع ما ضلوا وزاغوا إلا بسبب أنهم يتمسكون بنص متشابه دون ضميمته إلى ما يجلّيه من نصوص الشريعة الأخرى، حيث إن نصوص الشريعة يفسر بعضها بعضا

وجاء في حديث البطاقة أن الله غفر لرجل بسبب شهادة التوحيد، وظاهر الحديث أن الرجل ليس عنده حسنات سواها.

ومما هو مؤصل في عقيدة أهل السنة أن العمل من مقتضى الإيمان، حيث إنه لا يتصور أن يقر إيمان في قلب العبد ثم لا يصلي أبدًا، أو يصوم أبدًا، أو لا يأتي بأي فريضة!

فمن كان هذا حاله؛ فهذا لا يكون مؤمنًا بإجماع العلماء كما حكى الإجماع الشافعي وغيره.

والقول بأن الذي لا يعمل أبدًا مع نطقه للشهادة يكون مؤمنًا قد عده ابن راهويه من قول غلاة المرجئة، حيث أخرج حرب الكرماني في عقيدته عنه أنه قال: 

“غلت المرجئة حتى صار من قولهم: إن قوماً يقولون من ترك الصلوات المكتوبات وصوم رمضان والزكاة والحج وعامة الفرائض من غير جحود لها إنا لا نكفره، يرجى أمره إلى الله بعد إذ هو مقر، فهؤلاء الذين لا شك فيهم، يعني في أنهم مرجئة”.

والأمر كما قال ابن تيمية في الفتاوى (٦١٦/٧):

“ومن الممتنع أن يكون الرجل مؤمنًا إيمانًا ثابتًا في قلبه بأن الله فرض عليه الصلاة والزكاة والصيام والحج ويعيش دهره لا يسجد لله سجدة، ولا يصوم رمضان، ولا يؤدي لله زكاة، ولا يحج إلى بيته، فهذا ممتنع، ولا يصدر هذا إلا مع نفاق في القلب وزندقة لا مع إيمان صحيح”

وقال أيضًا رحمه الله:

 “جنس الأعمال من لوازم إيمان القلب وأن إيمان القلب التام بدون شيء من الأعمال الظاهرة ممتنع”.

وقال في شرح العمدة (٨٦/١):

 “فإذا خلا العبد عن العمل بالكلية لم يكن مؤمنا”.

فعلى ما تقرر يكون معنى حديث البطاقة أن صاحبها أتى بالشهادة وأركانها وهي الفرائض ولا أقل من إتيانه بالصلاة غير أنه لم يزد عليها، وفي نفس الوقت قد أسرف على نفسه في الذنوب والمعاصي، حتى زادت سيئاته على حسناته.

والشهادة لها شروط متفق عليها منها وهي:

الإخلاص والعلم واليقين

فإذا كان صاحب البطاقة نطق بالشهادة دون هذه الشروط فلا تنفعه

وإن نطق بها حال كونه مستصحبًا هذه الشروط، فمن المحال أن يأتي بعلم وإخلاص ويقين ثم لا يعمل أبدًا لله!

وهناك تفسير آخر أن هذا الشخص ممن أسلم صادقًا ولكن وافته المنية قبل أن يعمل صالحًا.

وهناك احتمال آخر بأن هذا الحديث كان في أول الإسلام حيث كان الشرع يكتفي بالشهادتين ولم تُفرض الفرائض بعدُ.

وهذه الاحتمالات تتظافر بأن تسد كل خلة يتسلل منها الإرجاء إلى عقيدة المؤمن، ويخيل له أن تارك جنس العمل مع القدرة مؤمن.

والله أعلم

 

تواصل مع الدكتورة