أُميمة!

الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على النبي المصطفى، وبعد:

النساء منذُ القرون الماضية، والأزمن السالفة؛ منهنَّ الصالحةُ المصلحة، ومنهنَّ الشاكيةُ المتذمرة.

هذه امرأةٌ خطت حكايتَها كتب الأدب للعبرة والذكرى.

امرأةٌ

اسمها (أميمة) كانت كثيرة الطلبات، وكان لها زوجٌ محبٌ عاشقٌ، ودَّ لو ينال بسمةً من شفتيها، ورضا متحققًا في عينيها.

فأعجزته بطلباتها الدنيوية، وكان قليل ذات اليد، فابتلى بحبِّه لها، فقررَ أنْ يحقق لها ما سألت،ْ فغدا في أسفارٍ طويلةٍ، وعاش في هجرةٍ مريرةٍ، متلحفًا غبراءَ الصحاري، متظللاً بقمر الليالي.

فعاد بعد سفرٍ طويلٍ وقدْ عانَ فيه من الهموم أبكارَها، وذاق َمرارة الدنيا وشهدَ أنيابها؛ فعاد بهيئةٍ ليست كما التي بها غدا، فتغير وجهُه وبدنهُ، وتلطخت بنوائب الدهر حاله وهيئته.

وعندما وصل عتبة بابها، وأناخ مطايا حمله عند دارها، متلهفًا للقاءٍ، محاطًا بصفاء الأشواق؛ خرجت إليه فسألته وأنكرتْه ولم تعرفْه.

فأنشدَ يقول بعد أن شهد تعبه أمام عينيه هباءً، وعلم أنَّ لا خيرَ فيها ولا رجاءً:

رأتْ نضوَ أسفارٍ أميمةُ شاحبا *** على نضوٍ أسفارٍ فجُنَّ جُنونها

فقالت: من أي الناس أنت ومن تكن، فإنك راعي صرمة لاتزينها!

فقلت لها:

ليس الشحوبُ على الفتى *** بعارٍ ولا خيرُ الرجالِ سمينها

عليك ِبراعي ثلَّةٍ مسلحبةٍ ***يروح عليه محضها وحقينها[1]

سمينُ الضواحي لم تؤرقه ليلةٌ *** وأنْعَمَ أبكارُ الهمومِ وعُونُها[2]

فلا تكوني يا أمة الله لزوجك ذات طلبٍ لا ينتهي، وهمٍ في حياته لا ينقضي؛ ارضي بما يضعُه بين يديك فيبارك الله لكِ وعليك.

السعادة يا أُخيتي ليس بكثرةِ مالٍ ولا جاهٍ، السعادة هي بحقٍّ بركة الله عندما تنالينها برضاه.

يقول ابن الجوزي:

“الأنفة من حب من طبعه الغدر، وهذا أجل طباع النساء”[3].

وأشد أنواع الغدر في زماننا حين تتمكن المرأة من شهادتها الأكاديمية التي لا تغني من جوع، ومنصبها الاجتماعي الذي لا يروي الظمأ؛ فتسأل بعد ذلك زوجها الطلاق!

حيث باتت في عرفها الدنيوي أعلى منه منزلة، فاتخذت منهج ما صنعته أُميمة ،،،

حقًا وصدقًا

الوفاء لأهل الغدر مذلة، كما أن الكرم للئام هوان!

وَفَيتُ وَفي بَعضِ الوَفاءِ مَذَلَّةٌ *** لِإِنسانَةٍ في الحَيِّ شيمَتُها الغَدرُ

تُسائِلُني مَن أَنتَ وَهيَ عَليمَةٌ *** وَهَل بِفَتىً مِثلي عَلى حالِهِ نُكرُ

فَقُلتُ كَما شاءَت وَشاءَ لَها الهَوى *** قَتيلُكِ قالَت أَيَّهُم فَهُمُ كُثرُ

 

جزاءُ الآخرة

الغدر بوابة الفضيحة العامة يوم القيامة، فإن الغادر سيكون له لواء يعرف به، قال النبي ﷺ:

” إِذَا جَمَعَ اللهُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يُرْفَعُ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ ، فَقِيلَ : هَذِهِ غَدْرَةُ فُلَانِ بْنِ فُلَان[4].

 

[1] أي: ذاك الرجل المترف الذي يجلس فقط وينظر لإبله ويُسقى من حليبها ولبنها.
[2] أي: أنه ذاق من الهموم نوعين:
هموم أبكار لم يذقها أحدٌ من قبله، وهموم عوان اشتركً فيها غيره وقد جمعها بقوله “عونُها«.
[3] صيد الخاطر، (ص: 522).
[4] أخرجه البخاري في صحيحه برقم: (3188)، ومسلم في صحيحه برقم: (1735).

 

وكتبته:

الفقيرة إلى فتح الفتاح

 هيا بنت سلمان الصباح

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تواصل مع الدكتورة