هرطقات وسفسطات العصر

هرطقاتُ وسفسطاتُ العصرِ

الفكر الباطني والوجودي أنموذجًا، فالحذر!

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

انتشرتْ دوراتٌ لها صفاتٌ معلومةٌ، ومداخلُ مدروسةٌ لهدمِ ركائزِ المعتقد، بالسفسطةِ التي هي الحكمةُ المموهةً، والكلامُ الذي ليس له خطام ٌولا زمامٌ، يُسَاقُ على أنَّه حقٌّ وما هو إلا أكاذيبٌ وخيال.

هذه الدورات التي تدعو للطاقة والجذب ما هي إلا كلامٌ مستملحُ من الكذب، هذه الدورات فيها سموم قاتلة مستوحاة من مذهب الباطنية، فكم فيها هدمٌ لتوحيد الربوبية، وانتقاص للألوهية، نسأل الله السلامة والعافية.

ولنعلم

أن دعوتهم الضالَّة ترتكز على أمرين:

الأمرُ الأول: نشر (الفكر الباطني) الذي أنشأهُ الفلاسفة، وأخذهُ منهم القرامطة، وهو ادعاءُ أنَّ النَّصَّ له ظاهرٌ وباطنٌ.

وأنَّ الظَّاهرُ لعامةِ الناسِ وبسطائِهم، وأنَّ الباطنَ للخواصِ من الناس، وأكثرُ من غرقَ في هذا الفكرِ وهو: ابن عربي الصوفي.

ومثالُه في زمانِنا:

أَنْ يأتي من لا علمَ له، ويدَّعي أنَّ السلفيةَ فيها جمودٌ في فهمِ القرآن، ثم يأتي الناسُ بتفاسيرٍ لآياتِ كتاب الله ﷻ خلافَ مرادِ الله، وهناكَ دوراتٌ تقامُ في بثِّ تلك السمومِ في أوساطِ النساء منتشرةٌ جدًا.

فالحذر!

فإنَّه لم يصطدْ الضالَ في هذه الدورات بطعمه المسمومِ العقولَ؛ إلا بكذبهِ المستملحِ على الدين، فكم روَّجَ بضاعته الكاسدة بآيات الله وسنة رسوله زورًا وتحريفًا وبهتانًا.

الأمرُ الثاني: الدعوةُ إلى الفكرِ الوجودي، الذي ما هو إلا مذهبٌ فلسفيٌ يقومُ على دعوةٍ خادعةٍ، وهي أنْ يجدَ الإنسانُ نفسه، فيتحللَ من التعلّقِ بالله، ويتكئ على وجودهِ وما يصاحبها من قوةٍ ذاتيةٍ.

غايةُ أولٰئك القوم الذي يحومون عليه هو اعتماد المرء على نفسه، والاتكالُ على ذاتهِ في جلب السعادة ودفع التعاسة، حتى يخبتَ في القلبِ نورُ الثقةِ بالله ﷻ.

ويكونُ الهاجسُ آناءَ الليلِ وأطرافَ النهار؛ كيف أثقُ بنفسي، وأحققُ أُمنياتي بطاقتي؟

والإنسانُ مهما قويَّ حالُه؛ وبلغ مبلغًا من العلو؛ يظلُّ ضعيفٌ بنفسهِ، قويٌّ مع الله؛ لذلك جاء من دعاء النبي : “ فَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْن[1].

 تأملوا قوله (طرفة عين)، فالنبي ينفي الاعتماد على نفسه ولو بطرفة عين، وهم يدعون الناس أن يعتمدوا على أنفسهم في جذب الخير والرزق!

إن اعتماد المرء على شيءٍ كان من كان، وجعل ذلك الاعتماد كمقام اعتماده على الله؛ يُعدُ من الشرك المحرم.

نستفيد من هذا الدعاء أن الاعتماد على الله وحده هو الذي به صلاح العبد في الدنيا والآخرة، وأن النفس ضعيفة ولا يعوّل عليها، ولن ينفع الإنسان ذكاءه ولا قدراته مهما بلغت، فكل ذلك جثث هامدة إذ لم تسعفه معيّة الله وعونه.

فكم رأينا من بليد موفق … وكم رأينا من ذكي مخذول

{قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ } [آل عمران: 73]

ومن أعظم نتائج الداعين إلى هذه الدعوة الضالة:

إضعاف عبادة التوكل التي هي من لوازم الإيمان، وابتعاد القلب عن التعلق بالله، الذي لولاه لهلك الإنسان، ومُحقت بركته ونفعهُ.

إِذا لَم يَكُن عَونٌ مِنَ اللَهِ للِفَتى *** فَأَكثَرُ ما يَجني عَلَيهِ اِجتِهادُهُ

وهذا لا يعني إيقاف بذل الأسباب من العبد؛ بل إن بذل الأسباب من صميم التوكل على الله، إنما هو (الاعتماد) الذي لابد أن يكون على الله وحده.

فلا تُطفئوا في قلوبكم نور الثقة بالله، والتوكلِّ عليه، وإناخةِ المطايا عند بابه ﷻ، بالتعلقِ بجمادٍ وخيالٍ لا يُغنيا من الحق شيئا.

لقد قص الله علينا في سورة القصص خبر قارون، وكيف أن الله خسف به الأرض حينما طغى بنفسه ولم يرجع الفضل لله، فقال عن أمواله ونجاحه {إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي } [القصص: 78]

فكان جزاؤه ونتيجة توكله على نفسه {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ } [القصص: 81]

يقول ابن القيم رحمه الله:

“طوبى لمن أنصف ربه فأقرَّ في نفسه بالجهل والعيوب والتفريط”[2].

أنبه هنا:

أنَّ هذه الدورات تقام بكثرةٍ في دول الخليج في فنادقٍ مرموقة، وعلى موائدَ فاخرةٍ لاصطياد عقيدتك، ولهدم يقين قلبك بالشكوك والظنون.

ومن واقعٍ قد حصل:

ليس بعد تلك الدورات إلا ملفٌ بالطب النفسي، وعلاجٌ بالحبوبِ النفسية!

فإنْ أردت (حياةَ) القلب، فعلقه (بالحيِّ) الذي لا يموتُ جلَّ جلاله.

 

[1] أخرجه أبو داود في سننه برقم: (5090).
[2] الفوائد، (ص: 33).

 

وكتبته

الفقيرة إلى فتح الفتاح

هيا بنت سلمان الصباح

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تواصل مع الدكتورة