الحمد لله المنعم الكريم، ذي الفضل العظيم، وصلى الله على نبيه الكريم، عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، أما بعد:
فقد ذكر الله لنا في القرآن الكريم طرفًا من نعمه علينا، ومنها تسخيره بعض مخلوقاته للبشر.
وكيف أن الله ذلل للإنسان هذه الدواب يتصرف فيها كيفما شاء، حتى إن الصبي الصغير ليجر الجمل الكبير، وهو منقادٌ له يسير معه أينما أراد.
وذكر الله كيف أن تسخير الدواب رفع الله عنا به عناءً كبيرًا ومشقة شديدة، لاسيما في السفر والتنقلات البعيدة.
وكيف أن الإنسان يحمل عليها المتاع، ويجوب الفلوات، ويتنقل في الأسفار، ويقطع عليها الفيافي والقفار
﴿وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَىٰ بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنفُسِ ۚ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ﴾
ثم إن الله هدانا إلى ما نقول إذا ركبنا الدواب، وتمتعنا بهذه النعم المسخرة، فقال سبحانه:
﴿لِتَسْتَوُوا عَلَىٰ ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَٰذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلَىٰ رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ﴾
فعلمنا:
أن نتذكر هذه النعمة، وأنها منه وحده، وأرشدنا أن نسبحه وننزهه ونقدسه، لتسخيره هذه النعمة لنا.
وأن نتذكر أنه لولا أن الله سخر لنا ذلك لما كنا مقرنين (يعني مطيقين) لهذه الدواب، ولا قدرنا عليها، ولا انتفعنا منها بشيء.
فسبحان الذي لا نعمةَ إلا بفضله، ولا إحسانَ إلا بكرمه، ولا تيسير إلا برحمته.
ثم قال ربنا:
﴿وَإِنَّا إِلَىٰ رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ﴾
فذكّرنا بأننا راجعون بعد الموت إليه، وموقوفون بين يديه، وسيسألنا عن هذه النعم:
هل شكرناها واستعملناها في مرضاته
أم جحدناها واستعملناها في معصيته
هل أرجعنا الفضل له وحده
أم تعلقت القلوب بالسبب أكثر من المسبب
ومن بديع كلام الله أنه بعد أن ذكر سيرنا على الدواب في معايشنا وحياتنا ذكر بعده سيرنا إلى الآخرة، حتى لا يكون سعينا في الدنيا سببًا لنسياننا سعي الآخرة …
ومن جنس هذه الدواب ما خلقه الله مؤخرًا من وسائل النقل الحديثة، من سيارات وطائرات وقطارات، وقد أشار الله لهذا الخلق في قوله:
﴿وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾
فمن المخلوقات التي لم تكن معلومة آنذاك ما ظهرت في الأزمنة الأخيرة من المراكب الحديثة، ولو شاء الله أن لا تظهر لم تظهر.
ولكنّ الله أخرجها في هذا الوقت لحكمة منه، فالفضل والنعمة والمنة له لا لأحد سواه
﴿وَمَا بِكُم مِّن نِّعۡمَةٍ فَمِنَ ٱللَّه﴾
وفي مقابل ذلك:
ما بلغني في الآونة الأخيرة أن كثيرًا من الناس حينما يشتد حر الصيف في كل عام يتداولون صورة صانع التكييف مظهرين فضله الكبير على العالم.
وكيف تنهال عليه الدعوات، تطلب له الرحمة والمغفرة!
يستغفرون لمن قضى الله أن لا يغفر له، بل ونهى عن الاستغفار له.
في لحظة واحدة تضيع العقيدة!
وتُنتهك حدود الله وتتلاشى المبادئ الإسلامية، غافلين عن المنعم الحق، الذي لا تسير ذرة في هذا الكون إلا بأمره
﴿وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِين﴾
وهؤلاء مثلهم كمثل أناس في أرض جدباء قاحلة
فلما شاء الله أن يغيثهم ساق لهم السحاب وأنزل عليهم به المطر
فارتووا وسقوا
وأخرجت الأرض نباتها
وتمتعوا بخيراتها
ثم إذا بهم يَطْرون السحاب، ويثنون عليه، ويدعون له، ويعظمون فعله!
وغفلوا أن الأمر كله بيد الذي سخر لهم السحاب، ولكنَّ الإنسان لربه لكنود.
ويقول بعضهم:
إن هؤلاء أنتجوا هذه الاختراعات النافعة للبشرية بسبب علومهم وجهدهم، ومن خدم البشرية يستحق الجزاء.
فيقال:
إن هذه العلوم جزء من فضل الله ونعمته، ولو شاء الله لبقيت غائبة كما غابت آلاف السنين، بل من الذي أعطى للإنسان آلات الانتفاع من السمع والبصر والعقل، ولو سلبها الله لما انتفعوا بشيء
﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾
ومن الذي أخرج كنوز الأرض وخيراتها من نفط وغاز وما تقوم عليها العلوم الحديثة
ولو سلبها الله من البشر لفعل ذلك بـ (كن) فيكون
﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاءٍ مَّعِين﴾
وأما عن جزاء خدمته للبشرية فإنه قد أخذ حقه وافرًا في الدنيا
من مال وشهرة وميزات أخرى
وربنا الرحيم أراد أن يعطيه الآخرة ويدخله جنته، ولكنه أبى ورفض وأعرض عن الإسلام ولم يقبله!
ودين الإسلام في زمانه كان مشهورًا
بلغ أقاصي البلدان وشدَّ له علائق الترحال
ففي زمن صانع التكييف كانت جيوش الغرب تأتي لديار المسلمين تمتص كل خيراتها، إلا الإسلام فلم يأخذوه، بل كان الاستعمار يَفُتُّ في عضد الإسلام من وراء ستار خفي، بإحياء الطرق الصوفية المبتدعة، ومن خلال مستشرقيهم المتسترين بطلب العلم والثقافة، وغير ذلك من وسائلهم الماكرة.
فلا يكن حقك أعظم من حق خالقك
حين تدعو له لأنه أحسن إليك ولكنه لم يحسن إلى ربك!
وفي الختام:
اعلم أن استغفارك لصانع التكييف الذي لم يسلم لن يغير من مصيره شيئا
ولكنه سيؤثر على مصيرك أنت!
فحتى لو دعا نبي لكافر لما نفعه ذلك
﴿إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِه﴾
فإياك ثم إياك أن تتهاون بحدود الله وتستهزئ بها
فربّ كلمة تخرج من الإنسان لا يلقي لها بالاً تكون سببًا لأن يهوي بها في النار سبعين سنة!
وتذكروا أن المنعم هو الله سبحانه
وأن نعمه لا تعد ولا تحصى، فليكن همكم شكرها، والتسبيح لخالقها… سبحانك ربي ما أعظمك.
وكتبته:
الفقيرة إلى فتح الفتاح
هيا بنت سلمان الصباح
28 من ذي الحجة 1445 هـ
4 يوليو 2024م
جزاك الله خيرا ونفع بكم البلاد والعباد وزادكم من فضله
جزاكم الله خيراً على هذا المقال سدد الله خطاكم وحفظكم من كيد الكائدين وحسد الحاسدين.
في الحقيقة مقال ماتع احتوى على فوائد جمة وقواعد مهمة.
أنا سمر احدى متابعاتك ، أحببببك في الله ، وأسأل الله العظيم أن ييسر لي حضور محاضراتك الحضورية ، زواجي قريب بإذن الله، كتبت من ضمن شروطي أن أحضر محاضراتك ؛ لولا عتاب أمي لي لما مسحته ، بارك الله فيك وأحبك ورضي عنك، وجعلني خير من يرث علمك .
جزاكم الله خيرا وبارك الله فيكم،
هل يوجد قناة أو مجموعة لبث دروس الأستاذة عبر النت؟؟ أحببت حظور دروسها عبر النت
بارك الله فيك و في علمك أستاذتنا الغاااالية
زادك الله من فضله و نعمائه التي لا تعد و لا تحصى ،،،،، مقالتك جاءت في الصميم و جبرت بها الخواطر و القلوب ،،،،،
حفظك الله و أمد في عمرك ……….
آمين
آمين
آمين
هل يجوز ادا رايت مثل هذه الاختراعات المفيده للانسان اقول سبحان من علم الانسان
جزاك الله خير أستاذتنا الغاليه
ونور الله بصيرتك وبصائرنا جميعا 🌹
اللهم انفع بها البلاد والعباد
جزاك الله خير وثبتك على الحق
من الجميل ان نرى القوي بالاسلام في هذا الزمان
جزاكِ اللّه خيراً ونفع بعلومك
عقيدة الولاء والبراء أضحت في مجتمعات المسلمين غريبة، نسمع بتقارب الأديان والتعايش والوطنية الملوثة فأفكار دعاة التغريب والعالمانية…
زادك الله من فضله ونعمه يا شيخة