الرجوع إلى الحياة بعد الموت!

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه الكرام، أما بعد:

 

طرق بابي السؤال التالي:

انتشر بين كثير من الناس أنهم عاشوا تجربة الموت، وشعروا بخروج الروح من الجسد وصعدوا إلى السماء، ومنهم من رأى الملائكة، ومنهم من رأى بعض أقاربه الأموات وكلمهم، وتم إخباره ببعض الغيبيات، فما تفسير هذا؟

 

فأقول بعد حمدالله والصلاة والسلام على نبيه ومن والاه:

فإن الشريعة جاءت بأصول ومقررات راسخة لا تنخرم ببعض التهيئات والخيالات التي تقع للبعض

 

فمن المقرر في الشريعة:

 أن للشياطين قدرة على المكاشفات والخوارق التي هي من جنس السحر، توقع الإنسان في تخيلات وتصورات معينة

قال شيخ الإسلام كما في كتاب الفرقان (ص:٧١):

“فإن الشيطان يخيل للإنسان الأمور بخلاف ما هي عليه”.

وقد وقع ذلك لبعض أنبياء الله، كما وقع لموسى مع سحرة فرعون حيث رأى الحبال والعصي في صورة أفاعٍ عظيمة تمشي

ومن المقرر:

 أن للشياطين القدرة على أن تسترق السمع من ملائكة السماء، فتسمع ما يتداوله الملائكة مما أمر به أن يقع، ثم تذهب بهذا الخبر وتلقيه على بعض أهل الأرض، وغالبًا ما يصيبهم شهاب يحرقهم، ومن فلت بقَدَر الله أوصل خبره لبعض البشر فتنة لهم.

 

أخرج البخاري عن النبي ﷺ أنه قال:

“إن الملائكة تنزل في العنان، وهو السحاب، فتذكر الأمر قضي في السماء، فتسترق الشياطين السمع فتسمعه، فتوحيه إلى الكهان، فيكذبون معها مئة كذبة من عند أنفسهم”.

 

ومن المقرر أن الخوارق نوعان:

نوع يقع لأولياء الله الصالحين، ونوع يقع لأولياء الشيطان، فليس كل خارق كرامة، وإنما يرجع ذلك بحسب حال الإنسان ونوع الخارق.

لأن الخوارق أحيانًا تكون أحوال شيطانية جاءت لتفتن الإنسان عن دينه، كما أن السحر معدود من الخوارق

فلا يحكم لكل مكاشفة أو خارق للعادة بأنه حق، وأن صاحبه على حق

 

قال شيخ الإسلام في كتابه الفرقان (ص:٥٢):

“الخوارق تكون لكثير من الكفار والمشركين وأهل الكتاب والمنافقين، وتكون لأهل البدع وتكون من الشياطين، فلا يجوز أن يُظن أن كل من كان له شيء من هذه الأمور أنه ولي لله”.

 

ومن المقرر:

أن الشيطان يكون في غاية الاجتهاد لفتنة الإنسان، وأنه لا يترك صغيرة ولا كبيرة ينفذ من خلالها لفتنة الإنسان إلا فعل، فقد قال: {أَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ}

 

وقال النبي ﷺ:

“إِنَّ الشَّيْطَانَ يَحْضُرُ أَحَدَكُمْ عِنْدَ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ شَأْنِهِ”[1].

وهذه الحال يصلها الإنسان غالبًا حينما لا يكون في حالته الطبيعية، بل إما تأتيه وهو في حالة مرض، أو تأتيه بعد ممارسة لطقوس وثنية يسمونها اليوغا أو العلاج بالطاقة.

 وفي الأمرين يكون الإنسان في حالة ضعفه التي يستقوي فيها الشيطان ويرمي عليه شباكه وشراكه

فإن للشيطان مصائد وحبائل يفتن بها الخلق، لذلك كان من دعاء النبي ﷺ أن يتعوذ من شر الشيطان و(شَرَكه) يعني مصائده.

وعلمنا ﷺ أيضًا أن نتعوذ من همز الشيطان ونفخه ونفثه

وأخبرنا أن للشيطان لمّة على الإنسان، ولمته هي أن يجعل الإنسان يكذب بالحق!

 

ومن المقرر:

 أن الشياطين تتشكل بصور عديدة

فقد تتشكل في صورة أحد البشر الذين يحبهم الإنسان كوالديه اللذَين ماتا من قبل ليخبراه عما يجب عليه اعتقاده ليجتمع معهم في الجنة!

أو يظهر في صورة ملَك وهو في الحقيقة شيطانٌ رجيم

وقد أخبر سبحانه أن أناسًا اتبعوا الشياطين يظنونهم ملائكة فقال:

{وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُون}

 

قال البغوي في تفسيره[2]:

“الشياطين زينوا لهم عبادة الملائكة، فهم كانوا يطيعون الشياطين في عبادة الملائكة

وقوله: {يَعْبُدُونَ} أي: يطيعون الجن

{أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ} يعني: مصدقون للشياطين”.

 

يقول شيخ الإسلام في الفرقان (ص:٧٣) عن أصحاب هذه الضلالات:

“وهؤلاء تأتيهم أرواح تخاطبهم وتتمثل لهم، وهي جن وشياطين، فيظنونها ملائكة”.

 

وقال عمن يمارس طقوسًا معينة كطقوس المعالجين بالطاقة للوصول للحال الشبيهة بما يسمى اليوم (الاقتراب من الموت):

“يذكر أنواعًا من الخلوات بطعام معين وحال معين وهذه مما يُفتح لأصحابها اتصال بالجن والشياطين فيظنون ذلك من كرامات الأولياء، وإنما هو من الأحوال الشيطانية

وأعرف من هؤلاء عددا، ومنهم من كان يحمل في الهواء إلى مكان بعيد ويعود، ومنهم من كان يؤتى بمال مسروق تسرقه الشياطين وتأتيه به، ومنهم من كانت تدله على السرقات لعطاء يعطونه الناس إذا دلهم على سرقاتهم”.

 

وإذا قيل إن هؤلاء شاهدوا نفسهم وهي تخرج من الجسد وارتفعوا إلى فوق المبنى الذي هم فيه وشاهدوا فوقه أشياء كانت بالفعل موجودة بعد ذلك، وهم يشعرون بحقيقة خروجهم لا أنها تخيلات؟

فيجاب بأن لتلاعب الشياطين قدرة على أن توهم الإنسان بكل ذلك وهذا أمر قديم، حتى إن شيخ الإسلام تكلم عن ذلك في الفتاوى (٢٤٤/١١) وقال:

“وهؤلاء قد لا يتعمدون الكذب، لكن يخيل لهم أشياء تكون في نفوسهم ويظنونها في الخارج”

وقريب مما يقع لهؤلاء ما ذكره شيخ الإسلام في الفتاوى (٣٠٠/١١):

“ومنهم من يكون في البيت وهو مغلق، فيرى نفسه خارجه وهو لم يفتح، وبالعكس، وكذلك في أبواب المدينة، وتكون الجن قد أدخلته وأخرجته بسرعة”

 

ومن تلاعب الجن والشياطين ببعض البشر ما ذكره شيخ الإسلام في الفرقان (ص:١٢٥): فقال:

“فإني أعرف من تخاطبه النباتات بما فيها من المنافع، وإنما يخاطبه الشيطان الذي دخل فيها، وأعرف من يخاطبهم الحجر والشجر، وتقول: هنيئا لك يا ولي الله، فيقرأ آية الكرسي، فيذهب ذلك.

وأعرف من يقصد صيد الطير، فتخاطبه العصافير وغيرها، وتقول: خذني حتى يأكلني الفقراء، ويكون الشيطان قد دخل فيها، كما يدخل في الإنس، ويخاطبه بذلك

وأعرف من يخاطبه مخاطب ويقول له: أنا من أمر الله، ويعده بأنه المهدي الذي بشر به النبي ﷺ، ويظهر له الخوارق، مثل أن يخطر بقلبه تصرف في الطير والجراد في الهواء، فإذا خطر بقلبه ذهاب الطير أو الجراد يمينا وشمالا، ذهب حيث أراد، وإذا خطر بقلبه قيام بعض المواشي، أو نومه، أو ذهابه، حصل له ما أراد من غير حركة منه في الظاهر، وتحمله إلى مكة، وتأتي به، وتأتي بأشخاص في صورة جميلة، وتقول له هذه الملائكة الكروبيون أرادوا زيارتك، فيقول في نفسه: كيف تصوروا بصورة المردان، فيرفع رأسه فيجدهم بلحى، ويقول له: علامة أنك أنت المهدي أنك تنبت في جسدك شامة، فتنبت ويراها، وغير ذلك، وكله من مكر الشيطان

وهذا باب واسع، لو ذكرت ما أعرف منه لاحتاج إلى مجلد كبير”.

 

وختاما:

 لابد أن يعلم المسلم أن الموت في هذه الحياة لا يكون إلا مرة واحدة فقط، قال سبحانه:

{لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَىٰ}

فلا يمكن لإنسان أن يدعي الموت والرجوع عنه بعد هذه الآية الصريحة، إلا إذا كان (متوهمًا) كما بينت سابقًا

وأما بعض الحالات النادرة التي ذكرها الله في القرآن لمن يرجع إلى الحياة بعد الموت:

فهذه حالات استثنائية تكون من المعجزات والآيات الباهرة التي يخلدها الله في كتابه، ولا تكون لكل أحد بل حصلت لصاحب البقرة، وحصلت لعيسى عليه لسلام.

وجميعهم كان الله يحييهم لغرض معين ثم يعودون للموت

لا أنهم يحيون ويمارسون حياتهم الطبيعية

فهو بمثابة استنطاق الميت لسؤاله عمن قتله إذا كان مقتولًا ونحو ذلك

 فلا تقاس معجزات الأنبياء على غيرهم.

والله أعلم.

 

نسأل الله أن يجنبنا الفتن ويعصمنا من الزلل وأن يعيذنا من شر الشيطان وزيغه

 

 

[1] أخرجه مسلم في صحيحه برقم: (2033).
[2] تفسيره، (6/404).

وكتبته الفقيرة إلى فتح الفتاح:

هيا بنت سلمان الصباح

غفر الله لها وللمؤمنين والمؤمنات

 

 

فكرتين عن“الرجوع إلى الحياة بعد الموت!”

  1. جزاكم الله خيرا ونفع بعلمكم اسال الله ان يثبتنا واياكم على صراطه المستقيم وان يجنبنا الفتن ماظهر منها ومابطن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تواصل مع الدكتورة