بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله ﷺ وعلى آله وصحبه, وبعد:
فإنَّ مما هو مقرر في الشرع أن الخوف من الله عبادة عظيمة
وهو من أعمال القلوب الواجبة
والوقوف بين يدي الله مسألة دقيقة من مسائل عبادة (الخوف)
وذلك أن:
الخوف من الله والإيمان متلازمان
فإذا فارق الخوف القلب .. تمرد وطغى .. وعتا عتوًا كبيرا
وقد جاء في الأثر:
“من أمنني في الدنيا أخفته في الآخرة”
والذي يردده أغلب الناس:
هو التخويف من عقاب الله وتعذيبه
كالتخويف من جهنم
ومن عذاب القبر
وهذا حق …
إلا أن كثيرًا من الناس يغفل عن موضع عظيم أخاف الله عباده منه ألا وهو:
(وقوفه بين يدي الله للحساب منفردًا)
لذلك نرى
أن الله كرر هذا التخويف في كتابه مرارًا لتعظيمه
فقال ﷻ:
﴿أَلَا يَظُنُّ أُوْلَـٰٓئِكَ أَنَّهُم مَّبۡعُوثُونَ لِيَوۡمٍ عَظِيمٖ يَوۡمَ يَقُومُ ٱلنَّاسُ لِرَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ ﴾
وقال سبحانه: ﴿ وَأَمَّا مَنۡ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ﴾ وقال: ﴿ وَلِمَنۡ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ﴾
وحينما جمع المولى
الخوف من مقامه والخوف من عقابه في موضعٍ واحد
بدأ بمقامه أولاً فقال:
﴿ذَ ٰلِكَ لِمَنۡ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِیدِ﴾
ولعظم شأن هذا الوقوف فإن الناس ينتظرونه يوم القيامة مقدار خمسين ألف سنة!
وحينما يُدعى له الناس يخرون له مهابة وفزعا
حيث تجثوا الأمم لصولة الواحد القهار
﴿وَتَرَىٰ كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً ۚ كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَىٰ إِلَىٰ كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾
ستبلغ القلوب الحناجر .. ويمتلئ الجسد هلعا وحذرا
لأجل ذلك القيام العظيم المهيب
وذلك أن العبد إذا لقي الله عاصيًا ظالما
ولم يستعد لهذا المقام .. ولم يخشَ هذا القيام
فإنه سيقف بين يدي ربه ينظر إليه بعين المقت والسخط
قد كُسي سربالاً من الخزي والندامة
تغشاه الظُلمة .. ویَرۡهَقُه قَتَر وذِلة
مسودٌ وجهه .. منخلعٌ فؤاده .. يعلوه ذُعرٌ ووجل
يود في هذا المقام لو يفتدي نفسه بأمه وأبيه وولده والناس أجمعين على أن ينجو من هذا المقام!
الطائع كريم .. والعاصي ذليل
فما أكرم الإنسان عند ربه إذا اتقاه، وما أهونه على ربه إذا عصاه
ومن عجائب السنن الإلهية:
أن الله سبحانه خلق الإنسان وسخر له ما في الأرض لتكون مذللة له
يستخدمها كيف يشاء وفق مرضات الله
وهذا التسخير فيه إظهار لقدرة الله وآياته في مخلوقاته
كما فيه إظهار لكرامة الإنسان وعلوه على هذه المسخرات
والغاية العظمى:
من تسخيرها هي أن يعمّر الإنسان هذه الأرض بعبادة خالقها الذي لولاه لما قدر الإنسان على ثني أعناق منافعها له.
ولكن
حين يعصي هذا الإنسان المكرم، ويخلع عنه جلباب الكرامة
ويلقي عنه تاج العقل والحكمة، ويتسافل في اتباع الشهوات والشبهات … استحق العقاب!
وإذا ما استوجب عذابًا معجلا، فإن الله يجعل هلاكه بنفس هذه المخلوقات التي كانت مسخرة له!
فتارة
يغرقه في المياه التي كان يغتسل بها
وتارة
يخسف به الأرض التي كان يطأها بقدميه، ويتكبر فوقها
وتارة
يُرجم بالأحجار
وتارة
تُسلط عليه أضعف المخلوقات التي ليس من عادتها القتل والتعذيب وهي الطيور
وتارة
يُفزع ويموت بالأصوات وهو عذاب الصيحة
﴿فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ ۖ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾
فلا تظن أيها الإنسان أن عذابك مكلف
ولا أن جزاءك سينقص من ملك الله شيئا
﴿إِنَّكَ لَن تَخۡرِقَ ٱلۡأَرۡضَ وَلَن تَبۡلُغَ ٱلۡجِبَالَ طُولا﴾
بل هو أهون ما يكون
ومتى ما أغضبت ربك عذبك ولو في جسدك
بل ولو في صدرك
﴿وَمَا یَعۡلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَۚ وَمَا هِیَ إِلَّا ذِكۡرَىٰ لِلۡبَشَرِ﴾
فاللهم أحسن وقوفنا بين يديك، وهب لنا من لدنك توبة ورحمة تجعلنا في هذا المقام من السعداء المستبشرين بجنة النعيم.
الفقيرة إلى فتح الفتاح
هيا بنت سلمان الصباح
٢٨ ربيع الآخر ١٤٤٦
جزاك الله خير ونفع بك
ياليت يكون للدكتورة لقاءات في الزووم
طالبات العلم متعطشين لكلماتها وعلمها
احسن الله اليكم ونفع بكم وطبتم وتبوأتم من الجنة منزلا
نفعنا الله بعلمكم اللهم آمين آمين آمين
كتب الله أجركم ونفعنا والمسلمين بعلمكم