بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فالملاحظ في عالم القراءة وسوق الكتب ومعارضها أن الروايات هي البضاعة الرائجة، والأكثر مبيعًا، لاسيما عند من هم في عمر الشباب.
ولا شك أن الروايات والقصص هي نوع محبب إلى النفس، وذات وزن خفيف على العقل.
وأسباب حب الناس للقصص عمومًا إن القصة أو الرواية عبارة عن:
أحداث متسلسلة فيها أشياء خفية تصل إلى نتيجة والتي تسمى النهاية، وفيها يُرفع الستار عما كان مجهولا خفيًا وأثناء السرد القصصي هناك ما يسمى (بالحبكة) وهي التي تزيد من تشويق النفس لمتابعة مجريات القصة.
والعقول جُبلت على التعلق بالمجهول، والنهم بمعرفة ما غاب عنها!
لاسيما إذا اطلعت على طرف منه، فحينها يتحرك الفضول البشري لمعرفة باقيه وكشف أسراره.
فلهذا يحب الناس سماع القصص أكثر من غيرها، لأنها تشبع عندهم نهمة العقل في البحث عن المجهول.
ومن الأسباب أيضًا أن الروايات تلامس المشاعر والأحاسيس بأحداثها المفرحة والمحزنة، فكثير منها يكون دأبه التركيز على هذا الجانب، لاسيما المواقف الحزينة فيتأثر القارئ حتى إنه قد يصل إلى درجة البكاء وإسبال الدمع من المآقي، متناسيًا أنه يقرأ لشيء لم يقع، إنما نسجته متخيلة الكاتب!
وسبب ثالث أيضًا أدى لرواج الروايات وهو أسلوبها البسيط جدًا البعيد عن الفصاحة واللغة الجزلة، فضلاً عن بعده عن اللغة العلمية المحكمة، فتروج عند كل أحد، أما من اعتاد على اللغة العلمية المحنكة والأساليب الكتابية المجودة والصياغة الأدبية المأنقة فإنه سيرى قراءةَ مثل هذه الروايات ضربٌ من ضروب الشقاء، ولونٌ من ألوان سوء المنقلب.
وفي مقابل ذلك فإننا إذا نظرنا إلى تراثنا الإسلامي العريق وجدنا فيه من هذا الباب ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، ويتمثل ذلك في السير والتراجم، كسيرة النبي ﷺ، وقصص الأنبياء عليهم السلام، ثم سيرة الصحابة رضوان الله عليهم، ثم سيرة من بعدهم من الصالحين وكذلك ما يتعلق بالتاريخ الإسلامي وتقسيماته بذكر الحقبة الأولى ثم الحقبة الأموية والعباسية وحقبة الدولة الأيوبية ودولة المماليك…إلخ
وقد أولى العلماء هذا الجانب أهمية كبيرة في التصنيف، فانبرى للكتابة فيه أئمة كبار، من ذلك ما كتبه:
الطبري في كتابه: (تاريخ الأمم والملوك)
وابن الجوزي في كتابه: (المنتظم في تاريخ الملوك والأمم)
وابن كثير في كتابه: (البداية والنهاية)
والذهبي في كتبه: (سير أعلام النبلاء) و(تذكرة الحفاظ) و(تاريخ الإسلام)
وابن خلكان في كتابه: (وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان)
وابن الأثير في كتابه: (الكامل في التاريخ)
وياقوت الحموي في كتابه: (معجم الأدباء)
وأبو شامة في كتابه: (الروضتين في تاريخ الدولتين)
وابن حجر في كتبه: (الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة) و(إنباء الغمر بأبناء العمر)
والسخاوي في كتابه: (الضوء اللامع لأهل القرن التاسع)
والسيوطي في كتبه: (تاريخ الخلفاء) و(حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة)
وابن تغري بردي في كتابه: (النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة)
وكذلك صنفوا في الطبقات على تراجم أصحاب المذهب كطبقات الحنابلة والشافعية …إلخ
بل صنفوا ألوانًا متفننة في الطبقات: كطبقات المحدثين، والأطباء، والأدباء، والشعراء، والمقرئين.
وما ذكرته إنما هي أمثلة لا تفيد الحصر….
والحق أن:
التراث المدون زاخر وحافل في هذا الباب لمن أراد القراءة فيما يشبه القصص، مما خف وزنه، وراق علمه؛ إلا أن الفارق بين ما في التراث وهذه الروايات أن المدوّن في التراث كان واقعًا حقيقيًا، والقراءة فيه تزيد القارئ علمًا وعقلا، لأنه يقلب نظره في حياة العظماء من الأئمة والصالحين والفرسان والعابدين والقادة الناجحين، فلا يكون حظ القارئ المتعة والإيناس بأخبارهم فحسب، بل سيأخذ من حكمتهم وخبرتهم وتجاربهم ومنطوقهم وذكائهم وتعاملهم وأخلاقهم، وسيشعر بقربه منهم وإلفه لهم، وسيتعرف على أحوالهم العامة والخاصة، وسيدخل معهم بيوتهم ويطّلع على شأنهم.
فإن القراءة النافعة هي ترياق العلم ولقاح المعرفة وإكسير الثقافة.
وأمام هذا التراث المنيع والصرح العلمي الرفيع:
يعجب المرؤ غاية العجب حين يرى الناس تُعرض عن هذه المفاخر التي نستطيل بها على سائر الأمم، بأن أمتنا أمة مجيدة، وتراثها ذا شأوٍ بديع وشأنٍ رفيع، ففيها من القدوات ما يفوق الحصر، وسيرتهم ينبوع خير وفضل، وكيف أن القارئ يهرع بعينه وقلبه تجاه روايات ما هي إلا خيال في خيال، سوّد بها أحدهم الأوراق، بأسلوب تعلوه الركاكة، وتحوطه الهشاشة، وتنأى عنه الفصاحة، فيضيع العمر والمال في قراءة الخيال، ويؤوب الواحد منهم خاوي الوفاض، ضحل العلم.
فأي ثمرة معرفية سيجنيها هؤلاء؟!
فما هم إلا كالقابض على الماء، والباني على الهواء.
كتبته:
الفقيرة إلى فتح الفتاح
هيا بنت سلمان الصباح
٢٣ صفر ١٤٤٦هـ
جزاك الله خيراً استاذة مقالة مفيدة حقاً لقد اصبح كثير من الشباب متعلقين بالروايات اللهم اهدنا جميعاً
جزاك الله خيرا
اللهم بارك وزِد،مقال فيه خير كثير جزاكِ الله خيرا أمّنا ونفعنا بك
جزاكم الله خير وزادنا واياكم علما وبارك الله فيكم وزادكم رفعة وشأنا
نعم نعم سدد الله على الخير خطاكِ دكتورة هيا 🌷
نحن في زمن تهافت الكثير على
الأكثر مبيعاً
الأكثر بريقاً وفي الحقيقة سراب لاشيئ
بل يتعدى لاشيئ إلى سموم يتجرعها قراء هذا النوع من الروايات الهابطة مايشغل العقل والفكر فيما لاتُحمد عقباه
وقد إطلعتُ بنفسي على إحدى الروايات اشتهرت ووقفوا أمامها الطوابير للشراء والنتيجة عبث بعبث
جزاكِ الله خيرا على طرح هذا الموضوع
الأمر جد خطير ويحتاج الإلتفات إليه بوركتِ