الحمدلله وكفى، والصلاة والسلام على نبي الهدى، أما بعد:
الإمام الشافعي رحمه الله كان أديبًا وشاعرًا، سقيَ حبُّ الشعرِ والتاريخِ والأنسابِ والأدب، وشربَ أصولَ علمِ الصرفِ والبلاغةِ والنحو، أثنى ركبتيه طلبًا لعلمِ اللغةِ على يد قبيلة هذيل، وهي من أفصحِ القبائلِ لسانا.
للشافعي رحمه الله مكانة عظيمة في علم اللغة، حتى أصبح قوله رحمه الله في اللغة حجة، لذلك يُقدم قولُه عند الأصوليين في اللغة، ولقد شهدَ على ذلك جمعٌ غفير.
- قال الأصمعي وهو من أئمة اللغة: “صحَّحتُ أشعارَ هذيل على فتى من قريش، يقال له: محمد بن ادريس”[1].
وقد قرأ عليه الأصمعيُّ، واستفاد منه مع كبر سنِّه، وتقدُّمه في العلم والأدب.
- وقال ثعلب: ” العجب أن بعض الناس يأخذون اللغة عن الشافعي، وهو من بيت اللغة! والشافعي يجب أن يؤخذ منه اللغة، لا أن يؤخذ عليه اللغة “[2].
يريد ثعلب بيان الوجوب في أن يحتجوا بألفاظه نفسها، لا بما نقله فقط.
- ويقول الجاحظ وقد كان صنو الشافعي: “نَظرتُ في كتبِ هؤلاء النَّبَغَةِ الذين نَبَغُوا فلمْ أَرَ أحسنَ تأليفًا من الْمُطَّلِبِيِّ، كأنَّ فَاهُ نُظِمَ دُرًّا إلى دُرٍّ”[3].
هذا النبوغ من الشافعي لم يكن بتكلف وتصنع؛ بل كان رحمه الله يكتب على سجيته، ويملي بفطرته.
- ويقول ابن هشام صاحب المغازي وكان من علماء أهل عصره في العربية والشعر: “الشافعي حجةٌ في اللغة”[4].
- ويشهد له تلميذه الإمام أحمد، وخير من يشهد على الشيخ تلميذه لقربه ومعرفته، فيقول: “لسانُ الشافعي لغةٌ فأَخْبِتوهُ، فما رَأيتهُ إلا فَصيحاً”[5].
ذكرت أقوال جهابذة العلماء في اللغة حتى أبرز مكانته العظيمة في اللغة والأدب، وعلى سمو هذه المكانة إلا أنه آثر الاشتغال بالفقه والحديث؛ فأصبح منارةً في العلم، ومرجعًا في الفقه.
قال في بيان إيثاره للفقه على الشعر:
ولولا الشعُر بالعلماء يزري
لكنتُ اليوم أشعرَ من لبيدِ
ولنعلمْ أن كلَّ من سارَ على طريق العلم نالَ حبَّ الأدبِ والفصاحةِ والشِّعر، تبعًا لحبِّ لغةِ العلم، فالمرءُ إنْ أحبَّ أمرًا أحبَّ معه ما تعلَّق َبه.
لكنْ على طالبِ العلمِ بعدَ التأصيلِ في اللغة، أنْ يؤثِر التَّبحرَ في علمِ الحلالِ والحرامِ على أي علمٍ كان.
فكم رأينا غرًا قرأ في شيءٍ من كتب الأدب، وتركَ علوم الكتاب والسنة والأثر، فصار يتفيهق يمنة ويسرة بشواذ الأقوال، يحسب أنه ابن تيمية عصره بما حفظ من قصص السير، وأبيات الشعر، وحكايات الأدب!
إن جادة النجاة تكمن في أصول العلم المستقاة من الوحيين، وأما علوم الأدب فلا تفرها فري الأديم، بل هي كالحادي يستطعمها طالب العلم حين انشغال الذهن وإرهاق الفكر.
إن النظر في كتب اللغة والأدب تهب طالب العلم جزالة في الكلمات، وسبك في العبارات، وثروة ندية زاهرة من المعاني البينات.
وأنبه هنا:
أن كثيرًا من الأبيات تُنسب للشافعي وهي لا تصح عنه.
[1] معجم الأدباء، (6/2402). [2] الرد على انتقاد الشافعي للبيهقي، (ص: 30). [3] الكامل، (1/206). [4] المجموع، (12/14). [5] المشيخة البغدادية، (ص: 43).
وكتبته:
الفقيرة إلى فتح الفتاح
هيا بنت سلمان الصباح
Your point of view caught my eye and was very interesting. Thanks. I have a question for you.