أرى خللَ الرمادِ وميضَ جَمْرٍ

سم الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

أغلبُ الحروب التي مضتْ، والفتن التي اشتعلت كان سبُبها الجهال الطغام، أيقظوا نارَها بالسبابِ، والشتامِ، والتفاخرِ بالأنسابِ، حتى استهانوا بصغائر العبر فكانت وبالاً وغبر ،،،

بدَأوها مُزاحًا، حتى كانتْ بعدُ نارًا

كما قيل:

فإنّ النارَ بالعودين تُذْكى ***   وإنّ الحــربَ مبدؤُها كــلامُ

فإنْ لم يطفها عقلاءُ قومٍ   **** يكونُ وقودَها جثثٌ وهامُ

 

فقلتُ

من التعجبِ ليت شعري … أأيقاظٌ أميةُ أم نيامُ

 

راياتُ الهرج رفعت أجندتها، ونعرات القوم علتْ أصواتها، شقاقٌ وضرٌ وجيعٌ من قيلَ وقالَ،

شبوا ضرامَ الخلاف والفرقة، فبدتْ الأفواه فاغرة، فماج الأمرُ ووقعت ْالعثرة.

وقد قال الله جل جلاله: ﴿إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ إِخۡوَةٞ﴾

 

 الفتنة المحتدمة إذا جاءتْ استشرفها الجهال الطغام، يرونها زاهيةً وكأنَّها عروسٌ قد تزيَّنتْ، فإنْ اعتلوها أبصروها عجوزًا شمطاء غدتْ

الحـــَـرْبُ أَوَّلُ مَا تَـكُـــــونُ فَتِيَّــــــــةً *** تَسْـعَى بِزِينَتِهَـــــا لِكُــــــلِّ جَهُــــــولِ

حَتَّى إِذَا اشْتَعَلَتْ وَشَبَّ ضِرَامُهَا *** وَلَّتْ عَجُوزًا غَيْرَ ذَاتِ حَلِيلِ

شَمْطَـــــاءَ يُنْكـــــــَرُ لَـوْنُهَـــــا وَتَغـَـــــيَّرَتْ *** مَكْرُوهَــــــــةً لِلشَّــــــمِّ وَالتَّقْبِيـــــــلِ

 

 

شبه النبي ﷺ الفتنة كالقطر تموج موج البحر، وكقطع الليل المظلم، يتبدل المرء فيها من دينٍ إلى دين، قال النبي ﷺ: “بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا”[1].

مثلُ الفتنة كمثل الدرهم الزيف يأخذه الأعمى ويراه البصير، يقول الحسن البصري: “إِنَّ الْفِتْنَةَ إِذَا أَقْبَلَتْ عَرَفَهَا الْعَالِمُ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ عَرَفَهَا كُلُّ جَاهِل”[2].

فليخشَ الله ويتقهِ أصحاب الألسنة الحداد، فكم من كلمة ألقت في قلب صاحبها البلاء!

﴿أَلَا فِي ٱلۡفِتۡنَةِ سَقَطُواْۗ﴾

 

أما العقلاء

فلهم شأنٌ آخر معها، جعلوا بينهم وبينها الفيافي والوديان؛ فكانوا أبعد ما يكونون عنها، لزموا بيوتهم، واشتغلوا بأمر دينهم ،،،

نصحوا القريب أن يكفَّ … وناشدوا البعيد أن يعف

 علينا شعوب المسلمين أن نجتمع على كلمة سواء في الكفِّ عن اشعال الفتن بسهام الكلام وجوارح المقال

 سهامٌ هي وأيّةُ سهام؟

قال الله تعالى: {وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ } [التوبة: 47]

فتن من فُتن بكلام المنافقين بمجرد (السماع) لهم، فثبطهم الله أن يشهدوا مع النبي ﷺ الغزوات والمشاهد، وهذا حال كل تابع وسمع لأهل القيل والقال، وبسط مسامعه، وأطلق شواهده لهم.

 

قال الله تعالى آمرًا عباده:

﴿وَلَا تُطِعۡ كُلَّ حَلَّافٖ مَّهِينٍ هَمَّازٖ مَّشَّآءِۭ بِنَمِيمٖ مَّنَّاعٖ لِّلۡخَيۡرِ مُعۡتَدٍ أَثِيمٍ﴾

إذا هبت رياح الفتنة عليك، فلا تنفرد وشيطانك حتى لا تسير على رمالٍ رمثاء، وتقع في حفرةٍ جوفاء، بل استعن بالله أولاً ثم بالصديق الصالح، والصاحب الناصح، فالمؤمن قويٌ بإخوانه، ضعيفٌ بنفسه.

اللهم جنبنا الفواحش والفتن ما ظهر منها وما بطن.

[1] أخرجه مسلم في صحيحه برقم: (118).
[2] حلية الأولياء، (9/24).



وكتبته:

الفقيرة إلى فتح الفتاح

 هيا بنت سلمان الصباح

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تواصل مع الدكتورة