بدرٌ في فلَكِ السعد نيّرًا

 بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:

لنتعلم معنى السعادةِ الحقيقة، ونسعى لنيلِ ألطافِ الله الخالدة الأبدية

شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله كان بدرًا في فلَك السعد نيّرًا

لم يذق شيئًا من متاع الدنيا

لا زوجة ولا ولد … لا حَليلة ولا فلذة كبد … لا مسكن ولا قرار

حُرمَ من أمه ووطنهسياحته بين السجون

لا يقفُ عنه التخويفُ والتهديد، حتى الطعام لم يذقْ من أصنافهِ إلا ما يسدُّ به جوعَه!

ومع ضنك العيش هذا كله؛ كان من أسعد الناس في زمانه؛ بل السعادة التي غمرت قلبه تعدَّتْ لتُسعدَ من حوله.

فكان ابن القيم إذا اشتـدت عليه حوادث الزمـان ذهب لشيخه، وإذ يرى في وجهـه نضـرةَ نعيمٍ تُذهـب عنه الغمّاء، وتفيضُ عليـه النّعماء.

نظرةٌ 

في وجه شيخه تنسيه أحزانه، وتجبر آلامه، وكأن فلَق الصبح أشرقتْ طلائعه، ووجوه نور الأُفقِ أسفرتْ بشائره.

هذا فقط حين النظر إليه، فكيف بمجالسته ومدارسته ؟!

أيُ آلاءٍ مشرقة، ونعم مُغْدقة، كان يعيشها ذلك الرجل الذي لم يحظَ بشيء من متاع الدنيا!

في المقابـل 

نرى من ملـك الدنيـا بشتى متاعهـا لم يحظ بـذرة من ذرات الأنـس التي كـان يعيشـها ويشعر بها شيـخ الإسـلام ابن تيمية، بل على متـاع الدنيـا الذي يغمـرهم إلا أن نسـائم العـبس تلوح في وجوههم، والكدر يسرى ولا يكاد يفتر في  قلوبهم.

لنقرأْ حال شيخ الاسلام ابن تيمية بشهادة تلميذه الوفي النقي، قال ابن القيم في الوابل الصيب (صـ٧٠):

ما رأيت أحداً أطيب عيشاً منه قـطُّ، مع ما كان فيه من ضيق العيش، وخلاف الرفاهية والنعيم، بل ضدها،  ومع ما كان فيه من    الحـبس، والتهديـد، والإرهاق، وهـو مع ذلك من أطيب الناس عيشاً، وأشرحهم صدراً، وأقواهم قلباً، وأسَرِّهم  نفساً.

تلـوح نضـرة النعيـم على وجهـه، وكنَّا إذا اشتـدَّ بنـا الخــوف، وساءت منا الظنون، وضاقت بنا الأرض أتينـاه، فما هـو إلا أن نراه، ونسمـع كلامـه فيذهب ذلك كلُّه، وينقلب انشراحاً، وقـوةً ويقيناً وطمأنينة

فسبحان من أشهد عبـاده جنته قبل لقائه، وفتـح لهم أبـواباً في دار العمل، فآتاهم من روحـها، ونسيمها، وطيبها ما استفرغ قواهـم لطلبها، والمسابقة إليها“.

إن أشد الآلام تلك التي توجم صاحبها، وتُشعل النار بين جوانحه

 تشعره بالبكاء، ولا يجد ملاذًا في الدمع!

تصرخ الحناجر، ولا يقوى الكلام أن يجري من مخارج الفم

وحينَ تطغَى على الحرَّان جمرتُهُ *** فالصمتُ أفضلُ ما يُطوَى عليهِ فمُ

يصابر هجير البلاء، ويقلب وجهه في السماء {فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ} [الأنعام: 17]

طول الليل إن بالألم تناهى، فمنارة الصبحِ لها انفلاج

فكن كما كان شيخ الإسلام … بدرًا في فلكِ السعدِ نيّرا

يقول ابن تيمية عن نفسه: “وأنا مثل الغنمة كيفما تقلبت، تقلبت على صوف”[1].

لا يستحق قلبك الطاهر أن يتلوث بأنفاس بني آدم من فعلٍ هواء، أو كلامٍ هراء، ها هو شيخ الإسلام ملكَ من الرضا ما أراحَ به قلبه، حتى رأى مكابد أعداءه إحسانا، وسهام حساده ودًا وإكراما، كما الصوف لا يصيبه أذى من صفاءِ ما حواه قلبه من الرضا.

[1] الجامع لسيرته، (ص: 94).

 

وكتبته:
د. هيا بنت سلمان الصباح
غفر الله لها ولوالديها

لا توجد أفكار عن “بدرٌ في فلَكِ السعد نيّرًا”

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تواصل مع الدكتورة