مبادرة البكور

ما حكم هذه المبادرة التي تسمى (البكور) وهي عبارة عن التسجيل مع مجموعة، ويتم أداء العبادات بصورة انفرادية، ولكن هذه العبادات يتم تجميع نقاط من خلالها، ويتم تحفيز أعلى من حصلت على النقاط بمجموعة العضوات؟

الجواب :

بسم الله والحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله
أما بعد
فهذه الصورة المسؤول عنها لا تجوز، ومناط عدم جوازها لا يقتصر على خطورة الرياء الذي يتسلل لقلب الإنسان وكفى؛ بل لما في هذه الطريقة من مفاسد كثيرة
والرياء قد يدخل في قلب الانسان بغير اسمه!
ولابد من وضع هذه الطريقة في ميزان السنة والبدعة
فإن كان النبي ﷺ أو الصحابة أو أئمة التابعين فعلوها (وهم أحرص الناس على الخير)
فيكون الفعل جائزًا
أما إذا كانت الطريقة من المحدثات ولم تقع ولا مرة واحدة في العهد الأول
فتكون مما حذرنا منه النبي ﷺ حين نهانا عن البدع والمحدثات فقال:
“إياكم ومحدثات الأمور”
وقال:
“من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد”
فكيف وقد جاء عن الصحابة رضي الله عنهم إنكار مثل هذه الطريقة
معللين إنكارهم بأنها طريقة محدثة
فحينما اجتمع نفر في حلقة في المسجد بطريقة تشبه الطريقة المسؤول عنها
استنكر ذلك أبو موسى الأشعري رضي الله عنه
وذهب مخبرًا ابن مسعود رضي الله عنه، فقال له:
“رَأَيْتُ فِي الْمَسْجِدِ قَوْمًا حِلَقًا جُلُوسًا يَنْتَظِرُونَ الصَّلَاةَ فِي كُلِّ حَلْقَةٍ رَجُلٌ، وَفِي أَيْدِيهِمْ حصًا
فَيَقُولُ: كَبِّرُوا مِائَةً، فَيُكَبِّرُونَ مِائَة
فَيَقُولُ: هَلِّلُوا مِائَةً، فَيُهَلِّلُونَ مِائَةً
وَيَقُولُ: سَبِّحُوا مِائَةً، فَيُسَبِّحُونَ مِائَةً
قَالَ: فَمَاذَا قُلْتَ لَهُمْ ؟
قَالَ: مَا قُلْتُ لَهُمْ شَيْئًا انْتِظَارَ رَأْيِكَ أَوِ انْتظارَ أَمْرِكَ
فقَالَ ابن مسعود:
أَفَلَا أَمَرْتَهُمْ أَنْ يَعُدُّوا سَيِّئَاتِهِمْ، وَضَمِنْتَ لَهُمْ أَنْ لَا يَضِيعَ مِنْ حَسَنَاتِهِمْ
ثُمَّ مَضَى وَمَضَيْنَا مَعَهُ حَتَّى أَتَى حَلْقَةً مِنْ تِلْكَ الْحِلَقِ، فَوَقَفَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ:
مَا هَذَا الَّذِي أَرَاكُمْ تَصْنَعُونَ؟
قَالُوا: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ حصًا نَعُدُّ بِهِ التَّكْبِيرَ وَالتَّهْلِيلَ وَالتَّسْبِيحَ
قَالَ: فَعُدُّوا سَيِّئَاتِكُمْ، فَأَنَا ضَامِنٌ أَنْ لَا يَضِيعَ مِنْ حَسَنَاتِكُمْ شَيْءٌ، وَيْحَكُمْ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، مَا أَسْرَعَ هَلَكَتَكُمْ هَؤُلَاءِ صَحَابَةُ نَبِيِّكُمْ ﷺ مُتَوَافِرُونَ
وَهَذِهِ ثِيَابُهُ لَمْ تَبْلَ، وَآنِيَتُهُ لَمْ تُكْسَرْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّكُمْ لَعَلَى مِلَّةٍ هِيَ أَهْدَى مِنْ مِلَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ أوْ مُفْتَتِحُو بَابِ ضَلَالَةٍ
قَالُوا: وَاللَّهِ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، مَا أَرَدْنَا إِلَّا الْخَيْرَ.
قَالَ: وَكَمْ مِنْ مُرِيدٍ لِلْخَيْرِ لَنْ يُصِيبَهُ!”
وفي رواية أخرى قال لهم:
“عَلَيْكُمْ بِالطَّرِيقِ فَالْزَمُوهُ، فَوَاللهِ لَئِنْ فَعَلْتُمْ لَقَدْ سَبَقْتُمْ سَبْقًا بَعِيدًا، وَلَئِنْ أَخَذْتُمْ يَمِينًا وَشِمَالًا لَتَضِلُّنَّ ضَلَالًا بَعِيدًا”
فيستفاد من هذا الأثر أمور:
منها:
أن البدع والمحدثات إنما هي عبادات معروفة يظن من لا علم عنده أن فعلها مستحب كونها خير ونفع وهذا لا يكفي لإباحتها، فإن مكمن ابتداعها بكونها طريقة لم يفعلها النبي ﷺ ولا الصحابة.
ومنها:
أننا مأمورون بالاتباع ولزوم ما كان عليه الصحابة من العبادات دون تغيير أو إحداث أو ابتكار.
ومنها:
أن الحجة إنما تكون بفعل النبي ﷺ والصحابة، وهم الميزان الذي تتميز من خلاله السنة من البدعة.
ومنها:
تخطئة الصحابة لطريقة حساب الأعمال وعدها ولو بحجة تنشيط الناس على فعل الخير.
ومنها:
أن النية الحسنة والمقصد السليم لا يجعل البدعة سنة، ولا يعذر صاحبها في ابتداعه لأن استقامة النية جزء من المطلوب وبقي الجزء الآخر وهو استقامة العمل، واستقامته بأن يكون على ما كان عليه أصحاب العهد الأول، وقد قال ابن عمر رضي الله عنه:
“كل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة”

هذا وإن من مفاسد هذه الطريقة المسؤول عنها:
أنها مخالفة للمنهج الشرعي في تنشئة المسلم تنشئة إيمانية
وأنها تربي قلب العبد ليتعلق بالله وحده في كل شيء ومن ذلك الثواب والعقاب
فالواجب هو أن يُغرس في الإنسان الترغيب للعمل الصالح بتعليمه أن الجزاء عند الله وحده
ومقابل ذلك:
يُعلم الترهيب من ترك الأعمال الصالحة أو التهاون بها وما في ذلك مساوئ تعود على المسلم بالحسرة والندم عند لقاء ربه

أما من يربي الناس على أن يتعلقوا بمدح وثناء مقابل ما فعلوه من العبادات فهذا مخالف للمنهج الشرعي
ثم هو أمر لو كان له أثر فهو مؤقت يزول إذا زالت حلاوة المدح والثناء من القلب
ثم يعود القلب على ما كان خاليًا من الإيمانيات التي كان يجب أن تكون هي الوقود الذي يدفعه لكل خير.

نسأل أن يرزقنا جميعا الهدى والسداد وحسن الاتباع وأن يجنبنا مضلات الفتن ومحدثات الأمور
والحمد لله رب العالمين.

تواصل مع الدكتورة