حياة المرأة

 

 

بسم الله، والصلاة على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:

 

أُسألُ كثيرًا من الأخوات الفُضليات عن حلٍ لما يعتريهن من فراغٍ عاطفي إثرَ ابتعادِ زوجٍ أو تأخُرِ قِران.

ولابدَّ أن نعلم أيتهنَّ الفُضليات أَنَّ ما تشعرنَّ به هو من صميم فطرة الإنسان.

فالإنسان ذكرًا كان أم أنثى من فطرته أنَّه خُلق على تلك العاطفة، والله جلَّ في علاه خلق تلك العاطفة وجعل لها قواعد، وشرع لها ضوابط؛ كأحكام الزواج، وغضِّ البصر، والحجاب واللباس، وغيرها من الأحكام التي تصونُ تلك العاطفة، وتجعلُها تسير في مسارِ الفضيلة والعفة.

 

ما تشعرين به أُخيتي:

قدْ تشعُر به المرأة المحصَّنةُ أيضًا بسبب لهو الزوج وانشغاله، وبعدِه وزهدِه وصدِّه، أو وفاتِه

والمرأة الموفقة تسير على الطريق وتسْلكهُ، ولا تجعل للشيطان بابًا يدخلُه

تستيقظُ من رَقدةٍ مثارات الأماني والأفكار

وتصرفُ ناظريها عن مناهلِ بواعث الأحلام حتى لا تكون كالمريض المعتلِّ

لا هو حيٌ فيُرجى … ولا ميتٌ فيُبكى

وأنا أعلمُ أنَّ الأمرَ صدُّه ليس بالهين ِكما قيل:

إذا انصرفتْ نفسي عن الشيء لم تكدْ *** إليه بوجه آخر الدهر تقبلُ

 

لكنَّ المؤمنة تجاهدُ وتصابرُ وتكابدُ حتى يقَّر عينيها رَبُّ البرياتِ

 

واعلمي رَحِمَني المولى وإياك:

أنَّ الواقع شيءٌ، والحلمَ والمُنى شيءٌ آخرُ ،،،

 

فكمْ من امرأةٍ نظرتِ إليها أنَّها في نعيم القمر وهي ضريرةٌ نجومُها، غائمةٌ بالظلمة سماؤها

يظلُّ لقدر الله جل جلاله صروفُه وحتوفُه

كما قال سفيان الثوري: “مَنْ تزوَّجَ فقدْ رَكِبَ الْبَحْرَ”[1].

 

تموت النفوسُ بأوصابهـا ***    ولم يَدْرِ عُوَّادُها ما بها

وما أنصفت مهجةٌ تشتكي   *** أذاها إلى غير أحبابها

 

النظرُ للواقعِ بالبصر الثاقب يعالجُ أمثال تلك الأماني والأحلام، ويعيدُ النفوس الهائمة سكونها ويهبُ لها القرار.

أُخيتي:

كُلَّما طرقَتْ بابكٍ الأحلام والأفكار، تسلي عنها بالعلم النافع وعمل الطاعات، ولا تحيي بحياة اليأس التي تتظلى نارُها، وتَعْتَلِج أحزانُها في الفكر والقلب

فيظلّ لله حكمةٌ ورحمةٌ

وعليكِ بغضِّ البصرِ ممتثلةً لأمر ِخالقنا:

﴿وَقُل لِّلۡمُؤۡمِنَٰتِ يَغۡضُضۡنَ مِنۡ أَبۡصَٰرِهِنَّ وَيَحۡفَظۡنَ فُرُوجَهُنَّ﴾

 

تأمَّلي

 كيفَ قدَّم المولى الأمر بغضِّ البصر على حفظ الفرج؛ لأنَّ البصر نافذة القلب، فما ترينه سيطبعُ فيه يومًا لا ريب، ويبدأُ بعدها جهادٌ أعظم من جهادكِ الأول.

 

وعلى الرجال الأكارم أن يحفظوا صورهم عن نشرها في وسائل التواصل، فإنهم مشتركون في الإثم لكلِّ من أطلقت ْبصرَها، وتشعثَّ بذلك قلبُها.

قال ابن القيم رحمه الله: “وَهَلْ من طريقٍ قاصدٍ إلى التوفيق؟ وهل يمكِن السكرانُ بخمرة الهوى أن يفيق؟ وهل يملك العاشق قلبَه، والعشق قد وصل إلى سويدائه؟ وهل للطبيب بعد ذلك حيلةُ في برئه من سوء دائه؟”[2].

حتى قال رحمه الله:

“والكلام في دواء هذا الداء من طريقين:

أحدهما: حَسْمُ مادّته قبل حصولها.

والثاني: قلعُها بعد نزولها.

وكلاهما يسيرٌ على من يسَّرَهُ الله عليه، ومتعذّرٌ على من لم يُعِنْه، فإنّ أزِمّةَ الأمور بيديه.

فأمّا الطريق المانع من حصول هذا الداء، فأمران:

أحدُهما: غضّ َالبصِر، كما تقدَّمَ، فإنّ َالنظرة سهم ٌمسموم ٌمن سهام إبليس، ومَن أطلقَ لحظاتِه دامتْ حسراتُه”.

ومع هذا الحرمان والفراغ العاطفي الذي تشعر به المرأة:

تظلُّ الكريمة ابنة الأكارم، تحيا حياة قدوة الأفاضل والأماثل، زينة النساء في المجالس والمحافل بعفتها وسترها وطاعة ربها جل جلاله.

تفرغُ تلك العاطفة بمحبة الله جل جلاله ورسوله ﷺ، وبطلب العلم والدعوة إليه، حتَّى أنًّها تنشغل ُ بالعمل المباح، مهرب ذوي الألباب من حبائل ومصائد الشيطان وأعوانه.

والحبُّ النَّقيُّ التَّقيُّ

الذي تبحثين عنه ما هو إلا شجرةٌ تغن أطيافها

بذرتُها الأمل في القلب، وغذاؤها الدعاء وحسن الظَّنِ، حتى تزهرَ أغصانُها، وترفَ أظلالُها، بوجه الحياة الناضرة، وجمال أيامها الساطعة، سواء كان ذلك بتحقق الزواج المبارك أم بالسكون السابغ الذي يكون في القلب غامرًا.

وكأنَّ شاهدَ حالها ومقال لسانها يقول:

فأبصــرتُ بدرًا لا يَرى البـدرُ مثلـهُ *** وخاطبتُ بحرًا لا يرى العِبرَ عائِمُه

 

ولكِ في أُمِّنا عائشة رضي الله عنها قدوةٌ حين فقدتْ قرةَ عينِها، زوجَها وحبَيبها ﷺ، وهي ابنة ثمانِ عشرة سنة، ففي صحيح مسلم عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قال:

“إنَّ النبَّي ﷺ تزوجها وهي بنت سبع سنين، وَزُفَّتْ إليه وهي بنت تسع سنين، ولعبها معها، ومات عنها وهي بنت ثمانِ عشرة”[3].

كابدتْ ترحة فراقه وهي زهرةٌ يانعٌة في روض الشباب، وفجرٌ مشرق في سماء الحياة

فما هي إلا كرة الطرف أن افتقدته بعد أن كان حاضرًا، فأفْجَعها أُفولُه بعدَ أنْ كانَ وافدًا

من شدة الفقد كأنها فقدتْ نورَ بصرِها، لكنْ بصبرِها تملكتْ نورَ بصيرتِها، حتى توفاها المولى وهي في السادسة والستين من عمرِها.

وعليْنا بوصية السلف نتواصى بها فيما بيننا، فقدْ كانوا يتواصون فيما بينهم، ويقولون:

إنما هي أيامٌ قلائلُ، والموعدُ الجنةُ.

 

 

[1] الجامع لأخلاق الراوي، (1/103).
[2] الداء والدواء، (ص: 415).
[3] أخرجه مسلم في صحيحه برقم: (1422).



وكتبته:

الفقيرة إلى فتح الفتاح

 هيا بنت سلمان الصباح

6 أفكار عن “حياة المرأة”

  1. جزاكِ الله عني خيرا
    مقال جميل وما أحوجني إليه
    وصدقتِ فالدفع أسهل من الدفع
    أعاذنا الله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا

    وغفر الله لنا ولك
    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

  2. الفقيرة إلى الله

    كتب الله اجرك ونفعنا الله بما قلتي فو الله احتاج لمثل هذا الكلام
    اللهم اكتب لي الخير ولخواتي المسلمات يارب
    اللهم بحكمتك ورحمتك اجبرني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تواصل مع الدكتورة