الوقفات الندية بما أُنزل في خولة بنت ثعلبة الصحابية

 

 

 

الحمد لله الذي فتح بصيرة عباده العارفين فنون العلوم، وأمدَّهم بصفاءِ العقل ونوافذ الفهوم، حتى وضعوا لنا التفاسير المنيفة، وشرحوا فيها الآيات العظيمة، والصلاة والسلام على الهادي الأمين، خاتم النبيين محمد سيد الأوليين والأخرين وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

  هذه وقفاتٌ نديةٌ بما أُنزل في حق خولة بنت ثعلبة الصحابية من الآيات الكريمة في سورة المجادلة العظيمة، والله أسأل أن يفتح بها مغاليق القلوب، ويغفر لكاتبتها أدران الذنوب.

﴿قَدۡ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوۡلَ ٱلَّتِي تُجَٰدِلُكَ فِي زَوۡجِهَا وَتَشۡتَكِيٓ إِلَى ٱللَّهِ وَٱللَّهُ يَسۡمَعُ تَحَاوُرَكُمَآۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعُۢ بَصِيرٌ﴾

 

 قال الإمام الطبري في تفسيره:

“يقولُ ذكره تعالى لنبيه محمد ﴿قَدۡ سَمِعَ ٱللَّهُ﴾ يا محمد ﴿قَوۡلَ ٱلَّتِي تُجَٰدِلُكَ فِي زَوۡجِهَا والتي كانت تجادل رسول الله في زوجها امرأة من الأنصار.

 واختلف أهل العلم في نسبها واسمها، فقال بعضهم: خولة بنت ثعلبة، وقال بعضهم: اسمها خويلة بنت ثعلبة، وقال آخرون: هي خويلة بنت خويلد، وقال آخرون: هي خويلة ابنة الدليجِ.

وكانت مجادلتُها رسول الله في زوجِها أوس بن الصامت مراجعتُها إياه في أمره، وما كان من قوله لها: أنتِ عليَّ كظهرِ أمي، ومحاورتُها إياهُ في ذلك”[1].

 وفي هذا روى الإمام أحمد بسنده:

 عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: “الحمد لله الذي وَسِعَ سمعُه الأصوات، لقد جاءتْ المجادلة إلى النبي تكِّلمه، وأنا في ناحية البيت ما أسمعُ ما تقول، فأنزل الله عز وجل ﴿قَدۡ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوۡلَ ٱلَّتِي تُجَٰدِلُكَ فِي زَوۡجِهَا﴾ إلى آخر الآية”[2]. وهكذا رواه البخاري في كتاب التوحيد تعليقاً.

  وفي روايةٍ لابن أبي حاتم:

عن عائشة رضي الله عنها أنَّها قالت: “تباركَ الذي أوعى سمعه كلًّ شيء، إني لأسمع كلام خولة بنت ثعلبة، ويخفي عليَّ بعضه، وهي تشتكي زوجها إلى رسول الله خ وهي تقول: يا رسول الله، أكل مالي، وأفنى شبابي، ونثرتُ له بطني، حتى إذا كبرتْ سنِّي وانقطع ولدي ظاهر مني، اللهمُ إني أشكو إليك، قالت: فما برحتْ حتى نزل جبريل بهذه الآية: ﴿قَدۡ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوۡلَ ٱلَّتِي تُجَٰدِلُكَ فِي زَوۡجِهَا [3].

 

ما حصل مع خولة بنت ثعلبة رضي الله عنها يُعد أول ظهارٍ في الإسلام، كما أخرج الطبراني حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال:

“كَانَ الظِّهَارُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يُحَرِّمُ النِّسَاءَ، فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ ظَاهَرَ فِي الْإِسْلَامِ أَوْسُ بْنُ الصَّلْتِ، وَكَانَتِ امْرَأَتُهُ خُوَيْلَةَ بِنْتَ خُوَيْلِد”[4].

بعد ذكر ما تيسر من أقوال الأئمة الأخيار، نقف مع تلك الوقفات الندية بما أُنزل في خولة بنت ثعلبة رضي الله عنها الصحابية:

الوقفة الأولى (التوحيد)

﴿قَدۡ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوۡلَ ٱلَّتِي تُجَٰدِلُكَ فِي زَوۡجِهَا وَتَشۡتَكِيٓ إِلَى ٱللَّهِ وَٱللَّهُ يَسۡمَعُ تَحَاوُرَكُمَآۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعُۢ

 

فقهتْ خولة بنت ثعلبة رضي الله عنها لمن تشتكي إليه ما أصابَها وصِغارَها، فقهتْ لمن ترفعُ أمر وحدتِها وفاقتِها، فقهتْ من القادر على قضاء حاجتِها، وإصلاح حالها، لجأتْ أولاً إلى الله واشتكتْ إليه ما حلَّ بها من بعد سنوات العشرة الطويلة والعطايا الكثيرة.

وإنْ تغيّر حالُها، وكبرَ سنُّها، فيكفي المرء فخراً أنَّ المآخذ علية معدودةٌ، وجوانب النقصٍ محدودةٌ، كما قيل:

ومن ذا الذي تُرضى سَجَاياهُ كُلُّها***   كفى المــرء نُبــــلاً أن تُعَـــدَّ مَعَـــايِبُه

 فُنِيَ شبابُها، وضاع مالُها، وانقطع ولدُها كما قالت رضي الله عنها:

“يا رسول الله، أكل مالي، وأفنى شبابي، ونثرتُ له بطني، حتى إذا كَبرُتْ سني وانقطع ولدي ظاهرَ مني”.

بعدَ بيان حالِها لم يسعْها إلا قولُ: ” اللهم إني أشكو إليك.

  ما لجأتْ خولة رضي الله عنها إلى الله بشكواها؛ إلا بالتوحيد الذي تخلل حشاها، فما عساها تفعل أمام بلواها إلا اللجوء لمن أحياها.

  هكذا الإنسان إذا سلك سبيل توحيد خالق الأنام؛ أصبح الله ملجأه ومنجاه.

بالتوحيد

يرتبط العبد مع ربِّه ارتباطاً وثيقاً، فتراه يغدو ويرحل معلقاً قلبه بخالق الأكوان ومسيّر البحار، وما ذاكَ إلا دأب الصالحين، وسبيل العارفين، وقرة أعين الموحدين في أن يكون العبد منيبًا لربِّه في يسره وعسره، ولنا في الأنبياء عليهم السلام خير قدوةٍ ومثالٍ.

   فلو تأملنا

سيرة المختار، نبيَّ الله سيد الأنام عليه أفضل الصلاة والسلام؛ لجوءه إلى الله في يسره قبل عسرهِ، وفي رخائه قبل ضيق أمره؛ لَعَلِمْنَا يقيناً عظيم معنى الشكوى لله لا لأحدٍ سواه، التي هي ثمرة من ثمار التوحيد الخالص لله.

   خولة رضي الله عنها بفعلها ضربت لنا مثلاً بقوة توحيدها لمن خلقها وأوجدها، فرفعت الأيادي بطيب دعاء، وحُسنِ ظنٍ ورجاءٍ، في قولها: (اللهم إني أشكو إليك).

فجزاها المجيبُ بالإجابة، وأوردَ لنا شكواها، عبرة وعظة ﴿وَتَشۡتَكِيٓ إِلَى ٱللَّهِ﴾؛ لتستيقظ النفوس من رقدة الغفلات، وتُصرف القلوب لرب ِّالبريات.

الوقفة الثانية (اللجوء إلى الله)

﴿قَدۡ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوۡلَ ٱلَّتِي تُجَٰدِلُكَ فِي زَوۡجِهَا وَتَشۡتَكِيٓ إِلَى ٱللَّهِ وَٱللَّهُ يَسۡمَعُ تَحَاوُرَكُمَآۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعُۢ بَصِيرٌ

 ما من عبدٍ يرفعُ يديه إلى السماء مناجياً ربَّه ومولاه ُبشكواه وبلواه؛ إلا وفرجَ الله جل جلاله همه، وأصلحَ الله  جل جلاله أمره.

 ألا ترون يعقوب عليه السلام:

عندما أصابه من فراق الأبناء، الأمر الذي جعله يفقدُ نور عينيه ﴿وَٱبۡيَضَّتۡ عَيۡنَاهُ مِنَ ٱلۡحُزۡنِ فأتبع ما أصابه من الأحزان ﴿إِنَّمَآ أَشۡكُواْ بَثِّي وَحُزۡنِيٓ إِلَى ٱللَّهِ

رفع شكواه وبثَّها لخالقه ومولاه، فأرجع الله جل جلاله له بنيه بعزٍ وإكرامٍ على ما كان منه من صبرٍ وإحسانٍ.

 بمثل ذلك لجأتْ أمنا عائشة رضي الله عنها لربها:

عندما أصابتها سهام الإفك ما طُعن به من شرفها رضي الله عنها، الشريفة، العفيفة، الطاهرة، زوج نبينا في الدنيا والآخرة، حتى قالت: والله ما أجد لكم مثلاً إلا قول أبي يوسف قال: ﴿فَصَبۡرٞ جَمِيلٞۖ وَٱللَّهُ ٱلۡمُسۡتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ

 

رفعتْ أمنا عائشة رضي الله عنها أمرها لله؛ فأنزل آيات براءتِها كما في سورة النور، وجعل براءتها قرآناً يُتلى آناء الليل وأطراف النهار.

 فلا يأتي بعد الإنابة إلا الإجابة ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ٱدۡعُونِيٓ أَسۡتَجِبۡ لَكُمۡۚ

 

فكم فضل الله كبير، و إحسانه لخلقه عظيم

  • مع أيوب عليه السلام:

عبرة ٌوعظٌة في بيان عظيم جزاء من لجأ الى الله ورفع له مبتغاه، عندما أصابه الابتلاء، وهذا حال الأنبياء عليهم السلام، كما جاء في الحديث عندما سُئل النبي :أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلَاءً؟ قَالَ: الْأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ، فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِه”[5].

  قال أيوب عليه السلام بعد المُصاب ﴿أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلضُّرُّ وَأَنتَ أَرۡحَمُ ٱلرَّٰحِمِينَ

 دعا ربَّه ولم يشكُ لخلقهِ، فكان داعياً لا شاكياً ﴿وَأَيُّوبَ إِذۡ نَادَىٰ رَبَّهُۥٓ أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلضُّرُّ وَأَنتَ أَرۡحَمُ ٱلرَّٰحِمِينَ

 فجاءته إجابة المجيب ﴿فَٱسۡتَجَبۡنَا لَهُۥوأرشده الحكيم العليم ﴿ٱرۡكُضۡ بِرِجۡلِكَۖ هَٰذَا مُغۡتَسَلُۢ بَارِدٞ وَشَرَابٞ

  تُذكرنا

خولة رضي الله عنها عندما لجأتْ إلى الله تسأله إزالة همِّها، وتفريج غمها: بالإنابة، وحسن الظن بالله وأحكامه.

 الشكوى لله وحده، مفتاح فرج المكروب، وسبيل نصر المظلوم، وكم فيها عزٌ للمحروم؟!

كم من إنسانٍ في هذا الزمان دخل في الصلاة، ورفع يديه مكبراً لله، وهمه أن ينتهي حتى يبثًّ للأنام شكواه؟ ولم يخجلْ من الهمِّ الذي اعتراه بأنه واقفٌ أمام الله.

هنيئاً لمن وفقه الله ورفع إليه شكواه، خالصاً له دعواه.

الوقفة الثالثة (سؤال أهل الاستقامة والصلاح)

﴿قَدۡ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوۡلَ ٱلَّتِي تُجَٰدِلُكَ فِي زَوۡجِهَا وَتَشۡتَكِيٓ إِلَى ٱللَّهِ وَٱللَّهُ يَسۡمَعُ تَحَاوُرَكُمَآۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعُۢ بَصِيرٌ

حيث سألته حلاً جامعاً لأمرها، فاستقبلها النبيُّ على مكانته العظيمة، ومهامه الكثيرة، فلم يقفلْ بابه، ولم يغلقْ عتبة داره، فتح قلبه الرحيم، وسمعه الشريف لأُمته؛ للسائل منهم والمحروم، وللشاكي منهم والمظلوم، من غير ضيقٍ وتعبِ، وهموم الأمة تعتريه، وغاية إصلاح أُمته في عينه.

فكم في ذلك دلالةٌ على اهتمامه صلوات ربي وسلامه عليه بالسعادة الزوجية، واستقرار العلاقة الأسرية على أن تكون بأحسن حالٍ، وفي أطيب مقامٍ.

 أمام هذا الاهتمام الذي كان من خير الأنام، حريٌّ بمن تقلد مناصب الاستشارة، ومنابر حلِّ الشكاوى، أن يتبعوا هديَ الرسول في فهم وحسم مثل تلك الأمور، فها هي السُّنة الغراء أتت بمفاهيم جميع ما في الحياة.

 

واقصدْ إلى السنة الغراء تفهمها *** فهمَ الخصوص فتعلو في مبانيها

 

 تُعلمنا

خولة رضي الله عنها بقرارها الصائب، حين جادلت النبيِّ الصادق، باستحباب سؤال أهل الصلاح والفلاح، حتى لا يضيع المرء بزحمة أفكاره في وقت مُصابه وابتلاءه!

فكم من هموم أعمت الأبصار

وكم من مصائب شتت الأفكار

وكم من حوادث غيَّرتْ لدى المرء مجرى القرار ؟!

  لذلك كان سؤال أهل الصلاح بعد اللجوء لخالق الأكوان من الأهمية بمكان، وفي هذا المقام ذكر عمر بن الخطاب رضي الله عنه نصيحة جامعة، فقال: “وَشَاوِرْ فِي أَمْرِكَ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ اللَّهَ تَعَالَى”[6].

أَحرى ما تلتمس النصح منهم، هم العلماء الذين يخشون ربَّهم بالسر ِّوالعلن، كما قال الله تعالى في مدحهم

﴿إِنَّمَا يَخۡشَى ٱللَّهَ مِنۡ عِبَادِهِ ٱلۡعُلَمَٰٓؤُاْۗ

 

الوقفة الرابعة (الحمد لله الذي وسع سمعُه الأصوات)

﴿قَدۡ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوۡلَ ٱلَّتِي تُجَٰدِلُكَ فِي زَوۡجِهَا وَتَشۡتَكِيٓ إِلَى ٱللَّهِ وَٱللَّهُ يَسۡمَعُ تَحَاوُرَكُمَآۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعُۢ بَصِيرٌ

  أخرج الإمام أحمد حديث أمنا عائشة رضي الله عنها أنها قالت: “الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَسِعَ سَمْعُهُ الْأَصْوَاتَ، لَقَدْ جَاءَتِ الْمُجَادِلَةُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُكَلِّمُهُ وَأَنَا فِي نَاحِيَةِ الْبَيْتِ، مَا أَسْمَعُ مَا تَقُولُ: فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا } [المجادلة: 1] ” إِلَى آخِرِ الْآيَة[7].

   أمنا عائشة رضي الله عنها كانت في ناحية المنزل ولم تسمعْ ما تقول خولة رضي الله عنها، وكان ومنزل رسول الله صغيرًا ليس بواسع، فسبحان الذي لم يسمع صوتها من كان في الجوار وسمع همس حديثها السميع الغفار جل جلاله.

   الآية تدل على إثبات صفة السمع لله جل جلاله وتقدست ْأسماؤه، قال ابن القيم رحمه الله:

فلا يشكُّ صحيح الفهم البتة في هذا الخطاب أنه نص صريحٌ لا يحتمل التأويل بوجه في إثبات صفة السمع للرب تعالى حقيقةً وأنه بنفسه سمع[8].

  أخبر السميع أنه سمع دعاءها وشكواها، وأبصر حالها وبلواها، وأمام هذا الإخبار دلالةٌ على كمال سمع الله وبصره سبحانه وتعالى.

سميعٌ لجميع الأصوات في كلِّ الأوقات، على تفنن الحاجات

وهو السميعُ يرى ويسمعُ كلَّ ما *** في الكون من سِرٍّ ومن إعلانِ

ولكـــلِّ صوتٍ منه سمــعٌ حـــاضــــرٌ *** فالسِّــــرُّ والإعــــــلانِ مستويــــانِ

 

بصيرٌ على الجوارح والأقدام، وعلى البواطن وما أسرته قلوب الأنام

 

وهو البصيرُ يَرى دبيب النَّملةِ السوداءِ *** تحت الصخرِ والصَّوَّانِ

ويرى مجــــاري القوت في أعضائهــا *** ويرى عُـــــــروقَ بياضِهـــا بعيــانِ

 

الوقفة الخامسة (فضل إخلاص شكواها لخالقها ومولاها)

﴿قَدۡ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوۡلَ ٱلَّتِي تُجَٰدِلُكَ فِي زَوۡجِهَا وَتَشۡتَكِيٓ إِلَى ٱللَّهِ وَٱللَّهُ يَسۡمَعُ تَحَاوُرَكُمَآۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعُۢ بَصِيرٌ

 

 احتوتْ سورة المجادلة على أحكامٍ شرعيةٍ، ومقاصدٍ ربانيةٍ، ذكرها الله في كتابه الكريم، ومع احتوائها لجملة تلك الأحكام من بيانٍ لمسألة الظهار؛ إلا وأن السورة سُميت بالمجادلة ولم تُسمى بمثل تلك الأحكام التي جاءت السورة في بيانها، بـ (الظهار) مثلاً.

لجأتْ خولة لله جل جلاله في أمرها فأنزل العظيم آيات في بيان حالها في سورة سُميت باسمها، وهذا من فضل الله وكرمه على خولة رضي الله عنها.

  الإخلاص

في الدعاء لرب الأرض والسماء، إنْ كان في القلب دائمٌ ساق صاحبه لكل خير قادم.

ولا غنى للإنسان عن الدعاء لربِّ الأرباب، لأننا في دُنيا الاختبار، يحيا فيها المرء من حالٍ إلى حالٍ، ورحم الله جل جلاله من قال:

ثمانيةٌ تجري على الناس كلِّهم       ***      ولا بُدَّ للإنسانِ يَلقى الثمانيةَ

سرورٌ وحزنٌ، واجتماعٌ وفُرقةٌ      ***     وعُسرٌ ويُسرٌ، ثم سُقمٌ وعافية

 

   لم ينتهِ فضل الله بعد، ويأبى المحسن إلا أن يتم إحسانه، خرجت خولة سالكةً طريق مسكنها، فما نزلتْ إلى بيتها إلا والآيات قد نزلتْ في حقِّها، فأشفى الله Y بذلك ما كان في صدرها، وأقر الله Y بالإجابة عينها، فيا سرعة إجابة المجيب، جزاءً للمخلص والمنيب.

الوقفة السادسة ﴿إِنَّ ٱللَّهَ يُدَٰفِعُ عَنِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْۗ٣

﴿قَدۡ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوۡلَ ٱلَّتِي تُجَٰدِلُكَ فِي زَوۡجِهَا وَتَشۡتَكِيٓ إِلَى ٱللَّهِ وَٱللَّهُ يَسۡمَعُ تَحَاوُرَكُمَآۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعُۢ بَصِيرٌ

كم يتجلى لنا دفاع الله جل جلاله لعباده المؤمنين في نزول تلك الآيات الكريمة على خولة بنت ثعلبة الصحابية رضي الله عنها.

 آياتٌ نزلتْ من ربِّ الأرض والسماء دفاعاً عن النساء، والأنام يجتهدون في بناء المراكز واللجان؛ للدفاع عن المرأة والإناث، ولو رأوا الإسلام، لوجدوا أنه أعظم الشرائع في الأحكام دفاعاً عن المرأة وعموم الإناث.

 المرأة

 عظيمةٌ في الإسلام، أكرمها المولى بعزِّ المقام؛ بشرائعه الحكيمة، وأحكامه الشريفة.

 نصَر العزيزُ آسيا على الخاسر فرعون، وبرَّأ القدير مريم بإنطاق الطفل الذي فيه يمترون، وأظهر العليم كذب أصحاب الإفك الفاسقين، كل ُّ الخير في أحكام ربنا، وكلُّ الشِّر فيما خالف شرعنا.

  المرأة

في ظلال الاسلام تعيشُ حياة عزٍّ وكرامةٍ، رفع الله شأنها بأحكامٍ قد شُرعت، وبحقوق قد خُصصت.

وصَّى رسول الله فقال: “اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ[9]، فخصها بوصيةٍ دون غيرها.

فلتقر المرأة عيناً بهذه الحفاوة والإكرام، والرعاية والإحسان

 عظيمةٌ أنتِ

يا أمة الله في ظلال الإسلام، آياتٌ نزلت دفاعاً عن النساء، وسورةٌ في القرآن سُميت بالنساء، فالحمد لله الذي اصطفانا لدينه العظيم، وجعلنا من نساء أمة إمام المرسلين.

بعد هذه الوقفات المستفادة من آيةٍ من الآيات الكريمة، حريٌّ بنا معاشر المسلمين من اصطفانا المولى بكتابه العزيز، أن نقف متدبرين، مبصرين في كلام الله العظيم.

 

فيا سعادة العباد إن اتخذوا القرآن لهم حياةً ومنهجًا

 

فطوبى لمن سبق قلبه جسده، وبصره عينيه بتدبر الآيات الكريمة، والسعي للعمل بالأحكام الشريفة.

الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلِّ اللهم على صاحب الحوض المورود، والمقام المحمود، نبينا المبعوث محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

[1] تفسير الطبري، (23/219).
[2] أخرجه أحمد في مسنده برقم: (24195).
[3] تفسير ابن أبي حاتم، (10/3342).
[4] أخرجه الطبراني في المعجم الكبير برقم: (11722).
[5] أخرجه الترمذي في جامعه برقم: (2398).
[6] الزهد والرقاق، (1/ 491).
[7] أخرجه أحمد في مسنده برقم: (24195).
[8] الصواعق المرسلة، (1/390).
[9] أخرجه البخاري في صحيحه برقم: (3331)، ومسلم في صحيحه برقم: (1468).

وكتبته

الفقيرة إلى فتح الفتاح

هيا بنت سلمان الصباح

لا توجد أفكار عن “الوقفات الندية بما أُنزل في خولة بنت ثعلبة الصحابية”

  1. Психолог (др.-греч. ψυχή — душа;
    λόγος — знание) — специалист, занимающийся изучением проявлений,
    способов и форм организации психических явлений личности в различных областях человеческой деятельности для решения
    научно-исследовательских и прикладных задач, а также с целью оказания
    психологической помощи, поддержки
    и сопровождения.

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تواصل مع الدكتورة