الصداقة بحرٌ خضم

بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:

لا أَعْلمُ هل سيبلغُ القلم مداه، أم سَيكْبو ولن يقوى البنانُ على البيانِ ؟!

الصداقةُ أيُّها الكرامُ … بحرٌ خِضَّم

تَصْطَخِبُ أمواجُه فتارة تأتيكَ بالدرِّ والجوهر، وتارةً تهديكَ الموت الأحمر!

تأمَّلتُ

حال الأئمة من قبلنا، فرأيتُهم غالبًا يظلوا لوحدهم في آخر أعمارِهم، يذهب عن أحدهم صديق الدَّرب لاختلافه معه في المسألة، ويُعاديه صويحبٌ طلب العلم لأجل الغيرة والحسد والمظلمة ،،،

كانت صحبة الصديق:

 تملأُ النفس نورًا … وتشعُّ في القلب لذةً وسرورًا … وقد فرّقَ العلم بينهما!

وكأنَّ الأفاعي الرقطاء أُخرجتْ في الرمال الصافية الصفراء

والقلوب الطيبة دريئة لدى النفوس الماكرة

عبثَ الهوى بقلوب من للعلم حَوى، لكنَّها سُنةٌ لنْ تتبدلَ، وشأنٌ لنْ يتحولَ، فهذه الدنيا خُلتها منقوصةٌ وصحبتُها مبتورةٌ

ثمَّ انقضتْ تلك السنون وأهلُها  ***  فكأنَّها وكأنَّهم أحلامُ

قال ابن الجوزي ناصحًا: “من أعظم الغلط؛ الثقة بالناس، والاسترسال إلى الأصدقاء”[1].

{فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ (100) وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ} [الشعراء: 100، 101]

جمع الله الشافع لكثرة الشافعين، ووحد الصديق لقلته، فهو بحق أعزّ من بيض الأنوق، أنشد المتنبي قائلاً:

وَمِنَ العَداوَةِ ما يَنالُكَ نَفعُهُ *** وَمِنَ الصَداقَةِ ما يَضُرُّ وَيُؤلِمُ

 

حال الأئمة

  • الإمام الأوزاعي رحمه الله، يقول أبو مسهرَ كما في تاريخ ابن عساكر (٣٥/٢٢١): “ما مات الأوزاعي حتى جلس وحده ما يجلس إليه أحدٌ”. 
  • وهذا الإمام البخاريُّ رحمه الله انقطع عنه أكثر الناس في آخر حياته غير مسلم حتى دعا ربَّه Y في صلاة الليل فقال: “اللهم إنه قد ضاقت علي الأرض بما رَحُبَتْ، فاقبضني إليك”[2]، فما تمّ الشهر حتى مات.
  • وهذا ابن رجب الحنبلي رحمه الله عادوه من كانوا يُخالفونَهُ في المسائل، حتى باتَ بين المحبرة والورق، واعتزل المجالس والإفتاء والبشر، قال ابن حجي كما في إنباء الغمر (١/٤٦١): “وكان لا يخالط أحدًا ولا يتردَّدٌ إلى أحد”.

إنَّ الزمن وأحوالَه خير مهذبٍ للنفوس وإنْ تخلَّى الصاحب، وذهب الرفيق المُآنس ،،،

 

وحسبك من الُأنس

 قلبٌ تقيٌ، وصدرٌ نقيٌ، ولسانٌ ذاكٌر، وجسدٌ عابدٌ

فدعْ ذكرَ عيشٍ قد مضى ليس راجعًا *** ودنــــــيا كظــــــل الكَــــرْمِ كنــــــا نخوضـــهـــا

أنواع الصداقة

  • صديق المنفعة: وهو الذي وجوده وعدمه دائر حول الانتفاع، فمتى انتهى الانتفاع، انتهت صداقته معك.
  • صديق اللذة: وهو الذي يجالسك لمتعة الدنيا والضحك والانبساط فقط.
  • صديق الفضيلة: وهو الذي يعلمك معنى الصداقة الصادقة، لله دره من صديق، يحملك على ما يزين، وينهاك عما يشين، وكم يعزّ وجوده!

يقول هشام بن عبدالملك: “ما بقي من لذات الدنيا شيء إلا أخ أرفع مؤنة التحفظ بيني وبينه”[3].

الصديق الصادق الصدوق

أخرج البخاري في صحيحه حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: “قَالَ أَبُو طَلْحَةَ لِأُمِّ سُلَيْمٍ لَقَدْ سَمِعْتُ صَوْتَ رَسُولِ اللهِ ضَعِيفًا أَعْرِفُ فِيهِ الْجُوعَ، فَهَلْ عِنْدَكِ مِنْ شَيْء؟”.

أشهدتم حبًا مثل هذا الحب الصادق النقي؟!

أن يعرف الصاحب همَّ صاحبه من نبرات صوته، ويشهد حاله ومراده بمجرد النظر في عينيه. رحم الله الصحابة الكرام.

فليكنْ العلم

صاحبك ورفيقك فهو خيرٌ من صَحِبَ، وأجودُ من نُصِحَ، وأوفى من عُهِد

استعن على وحشة الغربة بقراءة الكتب، فإنها ألسنٌ ناطقة، وعيونٌ رامقة

ما لنا غير الكتب رفيقٌ وصديق

ما في الصحابِ أخو وجدٍ نطارحُه *** أحاديث نجدٍ ولا خلٌّ نُجَاريه

 

[1] صيد الخاطر، (1/179).
[2] تاريخ بغداد، (2/340).
[3] ذم الكلام وأهله، (5/180).




وكتبته:

الفقيرة إلى فتح الفتاح

 هيا بنت سلمان الصباح

لا توجد أفكار عن “الصداقة بحرٌ خضم”

  1. أحسن الله إليك ، دكتورة القرآن الكريم يحثنا على الصحبة الصالحة (واصبر نفسك …. الآية)
    كيف نجمع بين مقالتكم الكريمة وهذا.
    أقصد قد يأتي بالنفس شيء أن كل الصحب قد يذهبوا ..
    أم أن الأمر ليس على إطلاقه
    بارك الله فيك

    1. د. هيا بنت سلمان الصباح

      حفظك الله ورعاك أم محمد
      الكلام حفظك الله عن الواقع والمشاهد بين الناس
      فتأملي معي:
      القرآن يحثنا على التقوى
      فهل أكثر الناس متقين؟!
      المقال رعاك الله يتحدث عن واقع الناس
      ولا يتعارض مع فضل الصحبة الصالحة
      فحينما نذكر أن الصحبة الصالحة في الواقع المشاهد قليلة بل أندر من الكبريت الأحمر؛ فحكاية الواقع هذه لا تعني نفي فضل الصحبة الصالحة.

  2. بوركت أناملك دكتورة جزاك الله خيرا كلام مؤثر اصبحت الصحبة الباقية بإذن الله هي صحبة اهل العلم وصحبة رفقة القرآن اما غيرها فمصيرها الى زوال سبحان الله .

  3. بارك الله فيكِ شيختنا الفاضلة وبارك في علمك كيف نوفق بين كلامك وصحبة الأخيار كصحبة أبوبكر وعمر رضي الله عنهما والنبي صلوات ربي وسلامه عليه وبقية الصحابة رضوان الله عليهم مثل عبدالله بن حرام وعمرو ابن الجموح حتى أنهما دفنىا في قبر واحد وتوجد نماذج كثيره للصحبة الطيبه حتى الممات حتى في وقتنا هذا وهم كُثر شيختي الفاضلة الصدافة كما قلتي بحر خضم لمن وعى معنى الصداقة ووفق لها وإن خليت خربت . وجزاكم الله حير

    1. د. هيا بنت سلمان الصباح

      صداقة القرون الأولى نقية كالجوهر واللؤلؤ
      وعزّ وجودها
      الكلام حفظك الله عن الواقع والمشاهد بين الناس
      فتأملي معي:
      القرآن يحثنا على التقوى
      فهل أكثر الناس متقين؟!
      المقال رعاك الله يتحدث عن واقع الناس
      ولا يتعارض مع فضل الصحبة الصالحة
      فحينما نذكر أن الصحبة الصالحة في الواقع المشاهد قليلة بل أندر من الكبريت الأحمر؛ فحكاية الواقع هذه لا تعني نفي فضل الصحبة الصالحة.

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تواصل مع الدكتورة