الردود البينات على شبهات تولي المرأة للولايات..

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

سأبدأ بعون الله تعالى بالرد على كل الشبهات التي جاءت في مسألة ولاية المرأة

تحت عنوان:

▪️الردود البينات على شبهات تولي المرأة للولايات▪️

ومن كان لديه أي شبهة أو تساؤل في هذا الباب، فليرسله عبر الموقع الالكتروني،

وأجيب عليه بكرم الله وجوده وتوفيقه.

أولاً: الرد على من يستدل بولاية الشفاء.

وذلك أن الشفاء بنت عبدالله العدوية أخذت ولاية السوق في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

▪️تحقيق السند:

الأثر أخرجه مالك في موطئه (٢٩٤)، وابن أبي شيبة في مصنفه (٣٣٦٠)، والبخاري في التاريخ الأوسط (٢٠٠)، وابن عبدالبر في الاستيعاب (١٠/٧٧)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (٤٤/٢٦١) بأسانيد ضعيفة، ومع ضعفها لم يُذكر فيها ولايتها للسوق.

إنما جاء ذكر ولايتها للسوق من غير إسناد في بعض كتب التراجم، كما عند ابن سعد في الطبقات، وابن حزم في المحلى، وابن حجر في الإصابة؛ وكلها وردت بصيغة التمريض (قيل-روي-ربما)، وصيغة التمريض في علم الحديث تفيد ضعف الرواية؛ فثبت أنه ليس لها إسنادٌ ولا أصل لها. 

قال ابن العربي في أحكام القرآن (٣/١٤٤٥):

“وقد روي أن عمر قدم امرأة على حسبة السوق ولم يصح، فلا تلتفتوا إليه، فإنما هو من دسائس المبتدعة في الأحاديث”.

▪️تحقيق المتن:

هذه الرواية المخترعة التي جاءت من غير إسناد، تتضمن نكارةً في المتن.

عمر رضوان الله عليه غيرته لم تكن مقصورة على نسائه فقط؛ بل امتدت على أمهات المؤمنين أيضًا اللاتي حُرمنّ على الرجال.

جاء عند البخاري في صحيحه عن عائشة أنها قالت: 

“خرجت سودة بعدما ضرب الحجاب لحاجتها، وكانت امرأة جسيمة لا تخفى على من يعرفها، فرآها عمر بن الخطاب، فقال: يا سودة، أما والله ما تخفين علينا، فانظري كيف تخرجين، قالت: فانكفأت راجعة”.

فهل يُظن بعمر رضوان الله عليه أنه يصدر امرأةً في ولاية السوق، تباشر المسلم والفاجر، والمؤمن والمنافق؟! 

كلا وربِّ عمر! هذا لا يخرج من عمر رضي الله عنه

▪️هنا:

أريد أن أذكر أمرًا خارج هذه المسألة: 

أن حديث أمنا سودة رضي الله عنها فيه دلالة على كراهية ظهور هيئات النساء.

فكم ذكرت لكثير من الأخوات في المساجد والحلقات ودور القرآن والجامعات، أن لا تظهروا هيئات النساء في التصاوير، لا تتاجروا بعددهن ووجودهن، تعلموا قدر المرأة في ديننا، تفقهوا بحال أشرف النساء أمهات المؤمنين.

وهناك فرق بين الظهور الذي لابد منه المقرون بالحاجة أو الضرورة، وبين الظهور الذي لا حاجة فيه كمثل هذه التصاوير.  

اللهم اجعلنا على هدي أمهات المؤمنين سائرات، وبالجنة معهن مجتمعات.

ثانيًا: الرد على من يستدل بقصة سبأ.

رأيت أن بعض من يدافع عن قضية تولي المرأة للولايات يحتج بقصة ملكة سبأ على جواز ذلك.

ورغم أن هذه الحجة لم تخطر على بال عالم، ولم تدر على لسان متخصص عرف الأدلة وتفقه فيها؛ إلا أنها نراها دائرة على ألسنتهم!

مما يدل على أن الاحتجاج بملكة سبأ ليس بدليل يسعف صاحبه أصلًا؛ إلا أنني رأيت أنه لا بد من استقصاء البيان، والإطناب في التوضيح،

فأقول مستعينةً بالله:

▪️رأيت أن المحتجين بملكة سبأ يظنون أمرين: 

الأول: أن كل ما جاء في القرآن يصلح دليلًا لصحة الأخذ به.

والثاني: أن هذا من شرع من قبلنا، وشرعهم حجة لنا. 

وأما عن النقطة الأولى:

 ليس كل ما ورد في القرآن يكون جائزًا لنا، فالله سبحانه ذكر في القرآن أخبار الصالحين وأخبار الكافرين، وذكر أشياء منسوخة، فليس كل ما في القرآن يجوز فعله.

من ذلك أن الله أخبر أن توبة بني إسرائيل كان لابد فيها من قتل أنفسهم

{وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُم بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَىٰ بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ}

فهل سيحتجون أيضًا بهذا، ويحثوا التائبين على قتل أنفسهم بحجة وروده في القرآن!

هذا مما لا يمكن أن يقولون به،،،

وأما عن النقطة الثانية:

 والتي تتعلق بشرع من قبلنا؛ فأوضح خلاصة كلام الأصوليين فيها بأن شرع من قبلنا ينقسم إلى ثلاثة أقسام: 

١- قسم مخالف لشريعتنا، فهذا مردود بالاتفاق.

٢- قسم موافق لما جاء في شريعتنا، فهذا نأخذ به بالاتفاق.

٣- قسم مسكوت عنه، وهذا محل خلاف بين العلماء.

ويأتي السؤال المهم:

هل فعل ملكة سبأ هو من شرع من قبلنا؟

الجواب: 

لا، لأن شرع من قبلنا المقصود به ما ذكره الله عن أنبيائه السابقين مما كان في شريعتهم،

أما ملكة سبأ فلم تكن تابعة لشريعة من الشرائع بل كانت كما وصفها الله:

{وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ اللَّهِ ۖ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ}

وإنه لمن عجائب الشبهات أن يحتج إنسان بفعل كافرة؛ ليستحل به ما نهى عنه رسول الله ﷺ.

وحينما نتدبر ما ذكره الهدهد لسليمان حين جاءه منبهرًا مما رأى في سبأ، قال له:

{وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ

إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ

وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ}

فتأملوا

كيف ذكر ملكها لهم مما يدل على تعجبه من أن تكون المرأة ملكة عليهم، إذ لو كان ملكهم رجلًا لما قال: (إني وجدت رجلا يملكهم)، لأن هذا هو الأصل، أما أن تملك المرأة فهذا خلاف الأصل.

ومع ذلك فهي مع كفرها قد أسلمت وانقادت لحكم سليمان وملكه حيث قالت:

{قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}

انقادت وامتثلت ولم تطلب منه التصدر لأي ولاية بناءً على خبرتها في مملكتها السابقة!

يتبين جليًا:

أن هذه الشبهة المدارة على ألسنتهم لا تسعفهم أبدًا؛ بل هي حجة عليهم في عدم جواز تولي المرأة الولاية.  

ثالثًا: الرد على من يستدل بأثر سمراء بنت نهيك.

روى الطبراني في الكبير بإسناده عن أبي بَلْج أنه قال:

“رأيت سمراء بنت نهيك، وكانت قد أدركت النبي ﷺ، عليها درع غليظ، وخمار غليظ، بيدها سوط تؤدب الناس، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر”. 

▪️تحقيق السند:

الأثر رواه الطبراني في الكبير (٢٤/٣١١)، وعنه أبو نعيم في معرفة الصحابة (٣٩٢٣). 

وذكره الهيثمي في المجمع (٩/٢٦٤)، وابن عبدالبر في الاستيعاب بدون إسناد (٤/١٨٦٣). 

مدار الحديث على أبي بَلْج، ولم يرو عنه الأثر إلا محمد بن يزيد الواسطي.

وهناك اثنان يحملان هذه الكنية:

١- أبو بَلْج الكبير: 

وهو يحيى بن أبي سليم، ولم تذكر لنا كتب الرجال أن له رواية عن سمراء، ولم يصرح باسمه إلا في رواية الطبراني، والغريب أن كتب الرجال لم تذكر لنا أن محمد بن يزيد يروي عنه!

٢- أبو بَلْج الصغير: 

وهو جارية بن هرم، وقد ذكرت كتب التراجم أنه رأى سمراء، وذكرت لنا أن محمدًا بن يزيد يروي عنه، كما قال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (٢/٥٢١):

“جارية بن بلج، أبو بلج الصغير التميمي، روى عن لُبَيّ بن لَبا، وسمراء بنت نهيك، روى عنه محمد بن يزيد الواسطي، سمعت أبي يقول ذلك”.

وقال ابن عبد البر في الاستيعاب (٤/١٨٦٣) بعدما ساق الأثر عن سمراء بنت نهيك:

“روى عنها أبو بَلْج جارية بن بَلْج”.

وقال المزي في تهذيبه (٣٣/١٦٣) بعدما ترجم ليحيى بن سليم، عقب قائلاً:

“وأما أبو بَلْج الصغير، فاسمه جارية بن بلج التميمي الواسطي، يروي عن لبيّ بن لَبا، وسمراء بنت نهيك، ويروي عنه محمد بن يزيد، ذكرناه للتمييز بينهما”. 

فالراجح:

أن أبا بَلْج هو جارية بن هرم، الذي هو نفسه جارية بن بَلْج، وذلك للأدلة التالية:

١- تصريح ابن عبدالبر باسمه.

٢- تمييز المزي له.

٣- ذكره البخاري في تاريخه (٢٣٨/٢) أنه ممن يروي عنه محمد بن يزيد، وهذا موافق لروايته عن سمراء حيث جاءت من طريق محمد بن يزيد عنه.

٤- التصريح باسمه في أحد الطرق عند ابن أبي خيثمة في تاريخه (٣٥٨٣).

٥- ذِكْرُ الدارقطني له في المؤتلف والمختلف أنه روى عن سمراء بن نهيك (٤٤٢/١). 

٦- تصريح ابن كثير في كتابه التكميل في الجرح والتعديل (١٠٥/٣).

٧- تصريح الصفدي باسمه كما في الوافي بالوفيات (٢٧٤/١٥).

فكل ذلك يقضي بأن الراوي عن سمراء؛ هو جارية بن بلج، وليس يحيى بن أبي سليم.

ولعل تسميته يحيى بن أبي سليم التي تفرد بها الطبراني؛ وهمٌ وقع من الراوي، حيث انصرف ذهنه إلى أبي بلج الكبير لا الصغير، فكلاهما يحمل نفس الكنية.

وهذا الوهم يقع حتى من الثقات؛ إذ لا يسلم من الوهم أحد.

وتجويد بعض المعاصرين لهذا الإسناد، يُحمل على أنهم أخذوا بظاهر رواية الطبراني أن اسم الراوي هو يحيى وليس جارية.

وبعد أن ترجح أن الراوي هو جارية بن بلج ظهر بجلاء ضعف الرواية، فإن جارية هذا مجهول لم يوثقه الحفاظ مع تقدم طبقته.

وعلى فرض أنه يحيى بن أبي سليم فكذلك الرواية تكون ضعيفة أيضًا؛ فإن يحيى هذا مختلف فيه، وضعفه البخاري بقوله: “فيه نظر”، وهذا جرح شديد من البخاري كما قرره الذهبي في الموقظة.

فالأثر مهما قلبته ظهرا على بطن فإنه ضعيف!

▪️تحقيق المتن:

ليس في رواية الطبراني ذكر السوق، والروايات التي جاءت بذكر السوق هي عند ابن عبدالبر من غير إسناد: “وكانت تمر بالأسواق”.

وهب جدلًا أنه قد صح إسناد الطبراني، وإسناده كما ذكرت ضعيفًا؛ فإن غاية ما في الأثر أنها تأمر وتنصح، وهذا ليس له علاقة بالولاية.

كما أنه يُحمل تأديبها على تأديب النساء؛ إذ لم يُعهد أن تجترئ امرأة لتضرب الرجال وتؤدبهم لا في الجاهلية ولا في الإسلام،،،

ومع ذلك فقد جاء في الرواية أنها كانت تلبس درعًا غليظًا وخمارًا غليظًا.

فهل من يستدل بهذا الأثر (الضعيف)، سيتبعها أيضًا في لباسها الساتر جدًا؟!

وهل سيتبعها بأنها كانت تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟!

أم سيأخذ ما يوافق هواه!

والحمدلله ربِّ العالمين

وصلِّ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تواصل مع الدكتورة