كيف تظمأ الأشواق ؟

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على المبعوثِ رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

كلما سَمِعْتُ صوتَ منبهِ الرسائلِ طارقًا لباب هاتفي، ولمحتُ معه رسائلَ الأخواتِ والطالباتِ الغاليات، وقد سطرنَّ أشواقهنَّ لمحاضنِ العلمِ التي كانت لنا جامعةٌ، فما إنْ أُبصِرها إِلَّا:

أَحيُر بين عيناي دمعةَ شوق أو ألهجُ بالدعاءِ في الثباتِ والعود.

هناكَ مشاعرٌ

يقوى المرءُ على حبسِها وكتمها

 وهناكَ مشاعرٌ

تنبثقُ ولو بُنيت لها الجدرانُ، وصُيرتْ لها الجبال.

وإنَّ شوقي لطالباتي وأخواتي في محضن العلم الجامع لنا بلغَ منتهاه ،،،

فلا أوقعَ في النفسِ، ولا أجملَ أثرٍ في القلبِ بمثلِ من سقى من ينابيعِ أواصرِ رحم العلم.

إن الشوق نار متّقدة لا يطفئها إلا وصال الأرواح، ولعل الوصال يسكن الأشواق!

فكم من لقاء زاد بعده الاشتياق ،،،

وما كنتُ أكتب واقعًا مشوبًا بخيال!

فكمْ ارتوينا من أعذبِ المعاني، وأكرم الكلام السامي، وغالي دررِ جواهر البيان الصافي.

كنا ننسجُ بالعلم نسيجًا من العلوم فمنكنَّ من تصطادُ فوائدَه

ومنكنَّ من تحوزُ بأفهمه ولا تعلمنَّ أثر ذلك في قلبي إن شهدتُ الفهومَ على محياكنْ.

ولسماع القارئات شوقًا حين يقرأْنَ علينا الأحاديثَ بأسانيدها.

الكريمات:

أخذن بنفوسِ السامعين لهنّ مأخذًا، وتركن في قلوبنا أريجًا مُزْهرًا

كأننا حين نسمع حديث نبينا يضاءُ شعاعُ نورٍ مشرقٌ في القلب؛ إشراقَ المصباح في الزجاجة.

جمعنا طريق العلم، ذلك الشرف الرفيع، والمقام الجليل، فحزتنّ منه بالروح والريحان، وكنتن في حِلقه كأنكن الياقوت والمَرجان.

لن أنسى

همتكن العالية، ووجوهكن النيّرة، بابتسامة الثغر وطلاقة المحيا ،،،

لن أنسى

أسئلتكن التي تهفو بالعقول وتسمو بالهمم، فتحملها إلى أفق السماء، وهام الجوزاء ،،،

أراكن

كما قال أبو فراس الحمداني:

وَنَحنُ أُناسٌ لا تَوَسُّطَ عِندَنا *** لَنا الصَدرُ دونَ العالَمينَ أَوِ القَبرُ

تَهونُ عَلَينا في المَعالي نُفوسُنا *** وَمَن خَطَبَ الحَسناءَ لَم يُغلِها المَهرُ

 وما قويتُ أن أحبسَ قلمي عن الكتابة، وأتجرد من تلك الأشواقِ الغلابة؛ فثمرات الحبِّ تُأْتى عفوًا لا صُنْعًا، ولا أحسبُ طالب علمٍ دخل العلمُ شغافَ قلبهِ فملأه أُنسًا ونورا؛ يستطيعُ أنْ يتخذَ لجنبه في دهماءِ الليلِ مضجعًا، أو يجدُ في صحو النهار قرارًا ومتكئاً، ولا يدبُّ الشوقُ في صدره للعلمِ وأهله!

وكوامن أشجاني تبوح لكنَّ يا غالياتي

قد أحببتكنَّ في الله يا من ملأتن النفس نورا، وأفضتن القلب لذةً وسرورا

سطرتن في صحائف ذكراكنّ طيب الأثر، والذكر المفتخر؛ فاثبتن على الطريق ثبتكن ربّ العباد، وتزودن من التقوى فإنها خير زاد، فأنتن ملح البلد، ورحيق الشهد.

فيا أيُّها القمرُ المطلُّ في علياءِ سمائه، أوصلْ سلامي وأشواقي لطالباتي وأخواتي.

ونجمُ الأملِ يتراءى في سمائنا أنَّا لنا عودٌ، والعودُ بكرم الله أحمدُ.

 

وكتبته:

الفقيرة إلى فتح الفتاح

 هيا بنت سلمان الصباح

لا توجد أفكار عن “كيف تظمأ الأشواق ؟”

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تواصل مع الدكتورة